Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
26 août 2006

حوار من بشير مفتي لجريدة الأثر

أسئلة إلى الأستاذ محمد معتصم

لملحق الأثر

بشير مفتي/ الجزائر

-قبل كل شيء كيف وجدت نفسك في عالم الكتابة؟ هل كان ذلك منذ الطفولة، أم المراهقة؟ ما هي العناصر التي ترى أنها اجتمعت ودفعتك إلى هذا الطريق؟

من الصعب الحديث عن الطفولة الأولى، لكن يمكنني الحديث عن إرهاصات، وميول داخلية كانت تدفعني إلى العزلة والتأمل، كما تصف ذلك والدتي كلما حان وقت الحديث عن تلك الفترة. تذكرني وإخوتي بأنها كانت تراقبنا ونحن نلعب في مراح البيت، وكان يثير استغرابها باستمرار أنني لا استمر في اللعب مع أخوي الأصغر مني، وأفضل مراقبتهما وهما يلعبان. هذه الحالة ما تزال حبيبة إلى نفسي، كلما وجدت الفرصة للانزواء بعيدا عن ضجيج العالم، أستغلها. لكن بداية من الطفولة الثانية وفترة المراهقة التي تلتها بدأ يترسخ في نفسي حب البحث والتنقيب والشغف المعرفي. ظهر ذلك في صور عدة، أولها حبي الكبير لجمع الطوابع البريدية، والبحث في بلدانها وسر تسمياتها، وتواريخ صدور الطوابع، واللوحات والصور والرسوم والكتابات المدونة على صفحات الطوابع، وكنت أجد لذة كبيرة في تفحص ذلك وطبعا كان يزيدني شغفا بالعزلة الجسدية طبعا وليست الوحدة النفسية.

وأهم فترة يمكنني اتخاذها نقطة الانطلاق في علاقتي بالكتابة هي فترة المراهقة حين سلمني والدي مفاتيح باب البيت، وخصصت لي غرفة بسطح البيت. فكان لزاما علي تأثيث الغرفة بأغراضي وأشيائي الخاصة وبطريقتي الخاصة أيضا. ولم يكن هذا الأثاث سوى طاولة كبيرة كانت لأختي الكبرى تستعملها لتفصيل الملابس قبل زواجها. ومجموعة من الكتب والمجلات، وأغلبها كان لوالدي وهي ذات مضمون نقابي وسياسي، أما الكتب فهما ثلاثة: القرآن الكريم، وكتاب "ضد الجمود العقائدي في الحركة العمالية" للينين، ومختصر لكتاب "العقد الاجتماعي" لروسو كانت تصدره مجلة عربية. كتاب صغير الحجم ويعلوه عنوان كبير بالأسود "كتاب الشهر".

طبعا هذه مؤشرات عميقة، لا يمكنها أن تكون بداية حقيقية ولكنها نواة مهمة بالنسبة لي، تعبر عن التأرجح الذي عشته وعاشه قبلي جيل السبعينيات، وأعني سلطة المحافظة التي تربينا عليها في البيت والمدرسة، وسلطة الواقع الذي كان غير قادر على السير بالسرعة ذاتها التي تتوالد بها الأفكار التحريرية، وطموح النفس والذات إلى الكرامة.

-هل يمكن أن تسترجع خطواتك الأولى في عالم الكتابة النقدية؟ وما هي القضايا والهواجس التي شغلتك حينها؟

في البداية كنت أكتب الشعر. أدمنت قراءة الشعر؛ قديمه وحديثه. وكانت كتاباتي حماسية منفعلة ومتأثرة بما يجري على أرض الواقع، وجزء آخر منه كان تعبيرا عن خيبات عاطفية. لكن لم أنشر منه وقتها سوى قصيدة مركبة بعنوان "طريق المجد" أولها موزون مقفى، ووسطها متنوع القافية، وآخرها منثور. نشرت أعتقد سنة 1979 أو 1980م، بالطليعة الأدبية العراقية، وبعدها نشرت قصيدة تحتفي بالخريف واخترت لها عنوانا لقصيدة الشاعر بودلير ونشرتها جريدة الاتحاد الاشتراكي. أما باقي القصائد والنصوص الشعرية فكانت ترفض وبدلا منها يتم الترحيب بمقالاتي النقدية، وقد بدأت مبكرا بنقد الرواية المغربية محمد شكري ومحمد زفزاف، وبعض النصوص التي كانت تنشر بصفحة الشباب "على الطريق" بالاتحاد الاشتراكي، أو "إبداع ونقد" – أعتقد – بجريدة أنوال. وكان يشرف على الأولى وقتها الشاعر والباحث العياشي أبو الشتاء كما قيل لي، وعلى الثانية أستاذي وصديقي الباحث والناقد سعيد يقطين. ويمكن اعتبار سعيد يقطين من محفزي الأساسيين في اختيار طريق الدراسة النقدية والكتابة فيها.

لكن أول مقالة نقدية كتبتها، وكانت جميعها ذات طابع تنظيري، كانت بعنوان "نسبية الكمال" وتلتها مقالة حول هايدجر بعنوان "أنطولوجيا القراءة". للأسف لم أعد أتوفر عليهما. لكنني ما أزال أحتفظ بدراستين مهمتين!!! الأولى قمت بها بتكليف من أستاذي سعيد يقطين الذي درسني الأدب العربي في المرحلة الثانوية وكانت الدراسة الأولى في كتاب مهم وقتها 1981م "النزعات المادية..." لحسين مروة. وقد اندهش لها المدرس وقت عرضها عندما وجدني قد طرحت أمامه دفترا من خمسين ورقة، عوض ورقتين أو ثلاث. والدراسة الثانية كلفني بها أستاذ الفلسفة – لم أعد أذكر اسمه – وهي عبارة عن عرض لكتاب المفكر المغربي عبد الله العروي، وكان حديث الصدور وهو :" مفهوم الإيديولوجيا".

هكذا وجدتني أتوجه دون رغبتي إلى الكتابة والدراسة النقديتين، أما عاطفتي فمرتبطة بكتابة الإبداع؛ شعرا ورواية. ومن خلال الموضوعات التي كتبت فيها وحولها يستخلص الهاجس الفكري وميلي الذي نشأ معي منذ الطفولة "التأمل" في الذات والواقع والآخر. وهاجس السؤال. السؤال كمعرفة. كمصدر للمعرفة. أي السؤال في طريقة تركيبه وطرحه وبالتالي طريقة فهم جوهر القضايا المحيطة بنا والتي تشكل وعينا. والسؤال كمصدر للمعرفة، لأن غياب السؤال يعني غياب الحياة. وغياب الفكر. وبالتالي الإخصاء الفكري وسلبية الوجود. فكما تعلمت دائما: السؤال لحظة وعي. بمعنى أن الذي لا يطرح الأسئلة المعرفية غائب عن الوعي. الإنسان المستكين إنسان مجوف فارغ كقبر متحرك. والإنسان الذي لا يسأل إنسان مستلب الإرادة، ولا يزيد عن رتبة "حيوان" غريزي يتكاثر ويغتني، ويموت، ثم كأنه لم يكن. والكتابة ربما هي محاولة لا واعية مني على التشبث بالأثر الخالد، وبالمشاركة في تنويع الأسئلة وتثويرها في آن...لست متأكدا.

-كيف تطورت أو نضجت القضايا النقدية بداخلك؟ أظن في الجامعة كان هناك تنوع بالمناهج الحديثة، وبالقراءات المعمقة التي قادتك إلى طريق تبني النقد الحداثي إن صحت التسمية؟

رغم أنني من مواليد أوائل الستينيات إلا أنني أعيش بروح الفترة السبعينية في المغرب والعالم العربي والغربي، وأشير هنا طبعا إلى تلك الأحداث والأحلام التي أحبطت، وكاد العالم نسيانها مع ما يجري حاليا ومع بداية الألفية الثالثة. وبالتالي ففي داخلي انقسام كبير تعايشت معه بصعوبة في البداية لكن الآن أتعايش معه بانسجام كبير. فالأحلام الكبيرة قادتني إلى التأمل الشعري، أي العاطفي. لكن الواقع قادني إلى العقل. لهذا أقول ما ذكرته في أحد اللقاءات جوابا على متدخل سألني :" أنا تقليدي عاطفيا، وحداثي عقلا". فعندما أرغب في الاستمتاع بالصور والتراكيب اللغوية، أميل إلى كل ما هو تقليدي. وعندما أعمل على إنجاز كتاب أو دراسة نقدية يندفن داخلي كل التقليد، ويجذبني كل ما هو حداثي، لأن النقد يتوجه إلى المستقبل. ويخاطب الحاضر برؤية المستقبل. لأنه يكتب للقادم من الأجيال. والكتابة الحداثية نتيجة طبيعية لقراءاتي التي تشبعت بها، وهي في غالبيتها قراءات في الفكر والفلسفة، وكثيرا ما شدتني إليها كتابات وأفكار فلاسفة الاختلاف. والواقع الحالي كلما تأملته وجدته حداثيا، أي لا يقبل التقليدية في شتى تجلياتها وصورها. وعندما اقرأ لكتاب جدد لا علاقة لهم بما حدث في الستينيات ولا السبعينيات أعتبر نفسي متجنيا عليهم وعلى إبداعاتهم إذا حاكمتهم بعاطفتي – العاطفة هنا الموروث الثقافي والمخزون من الذكريات والأحلام المحبطة الخاصة بي – فلا أجد بدا من التأمل واستعمال الفكر الخاص، أي الاجتهاد الشخصي من أجل فهم أبعاد كتاباتهم. ولهذا يعيب علي الكثير من الباحثين خروجي على المناهج. تلك التي لم أومن بها كليا منذ البدء فأنا ضد النموذج والنمطية. واعتبرتها في الكتابات النقدية الأولى مجرد تمارين أقوم بها خلال الدراسة والتحليل الأوليين. وقد قدمت في ندوة تكريم المرحوم محمد بوطالب، قبل رحيله، بالصدفة ورقة تحتوي على التخطيطات الأولى بالرسوم والدوائر والخانات ومعلومات عن الشعراء المغاربة وتواريخ إصداراتهم كانت معي وهي تختلف عن الورقة التي تدخلت بها في الموضوع. وكان طبعا سؤاله (المتدخل من الحضور) حول المنهج في ورقتي النقدية. لذلك أقول لك أخي بشير أن الحداثة عندي تتمثل في الفكرة المبتدعة، والتي تستخلص من النص ومن اجتهاد المبدع، وقدرته على التقاط المشاهد أو الظواهر! – قبل ظهورها- التي نمر بها دون القدرة على اكتشافها أو الانتباه إليها. إن الحداثة فكرة جوهرية. أما المنهج فهو ضروري جدا وملح أيضا لأنه ينظم العمل ويرتبه. وأعتقد أنني لم أتخلص نهائيا وربما سيدوم ذلك فترة طويلة؛ من المنهج البنيوي في شتى تفريعاته.

-لقد قمت بترجمة مراجع مهمة من النقد الغربي؟ ما الدافع وراء هذا الفعل؟

أنا لم أترجم إلا ما تعلق بالإبداع ، وضمنه قمت بترجمة ديوان شعري لويليام بليك بعنوان "أناشيد البراءة"، وبعده ديوان "المتواليات" لغارسيا لوركا. وقد نشرا معا بجريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية، متسلسلين سابقا (فسحة الصيف). أما صاحب الترجمة المهمة لريفاتير والمشتركة لجينيت، فهو سميي فحسب. وفي المغرب ظهر عدد من الكتاب باسم واحد مشترك لكنهم يختلفون في مجالات اشتغالهم الفقه السياسي، الترجمة، القصة القصيرة، الصحافة الرياضية...ولهذا أحرص الآن في مدونتي وموقعي الشخصي على الشبكة الدولية على وضع صفة "الناقد الأدبي" للتمييز. وقد سبق لي أن غيرت اسمي في بداية التسعينيات لكن بعض الأصدقاء الكتاب طالبوني بالتخلي عن ذلك ومنهم المبدع أحمد بوزفور، والمبدع أحمد المديني. لكن ذلك كان قبل استفحال هذه الظاهرة. ولمعرفة مجال اهتمامي وكتاباتي أحيل القراء على الرابطين التاليين الخاصين بي:

www.geocities.com/motassim7

http://motassim.canalblog.com

إنها إمكانية من إمكانيات التمييز والتوثيق والتواصل الواسع وإزالة اللبس على القارئ العربي.

-يطرح النقد العربي في علاقته بالنقد الغربي إشكال التبعية، على مستويات كثيرة؟ ما رأيك في هذه المسألة؟ وهل يمكن حسب رأيك أن يكون للنقد العربي وجود خاص به، أو على الأقل لا يتأسس على النقل فقط؟

سبق أن تحدثت في الموضوع في مجال آخر مختلف عن هذا. لذلك أقول؛ إن الاعتماد على النقد الغربي ضرورة فرضتها المرحلة سياسيا وثقافيا وحضاريا. فقد تهيأت للغرب أسباب الاجتهاد في ميدان الدراسة والتحليل النقديين، وأسباب الانتشار والتأثير كذلك. واستطاع الغرب أن يتجاوز الروح المقلدة، والرؤية التقليدية المحافظة وقبل دون تردد دخول المغامرة الكبرى. فنهل أفكاره وأدواته من مجالات العلوم الحقة (الخالصة) والعلوم الإنسانية. والحركة الاجتماعية التي أعقبت دمار الحربين العالميتين، فتحت شهيته مجددا للتحرر والبناء والتميز. لكننا في العالم العربي لم نستثمر الحركة الفكرية والسياسية والاجتماعية التي رافقت تحرر البلاد العربية من الاستعمار والحماية. وبدل ترسيخ روح المغامرة الفكرية والطموح إلى التحرر الشامل ركننا إلى التقليد، ودعا كثير من الكتاب إلى المحافظة والبناء بالعودة إلى الخلف. وتأكد الاختلاف والتفرقة بدل الوحدة. لهذا ظل النقد الأدبي متأرجحا بين أن يكتفي بما كان أو بأن يدخل مرحلة التجديد والتحديث والتحرر. ووجد المجددون أنفسهم في قفص الاتهام بالعمالة والاستلاب والتبعية. ووجد التقليديون أنفسهم متهمين بالتخلف والارتكاس والظلامية، والخروج عن مسار العصر والتطور.

لكنني أرى شخصيا أن النقد العربي تعلم من الغرب واستلهم مناهجه، وطرائقه في التحليل والدرس. وكانت جامعات المغرب العربي من بين الأولى التي دخلت المغامرة. وفي قلب هذه الجامعات تبلورت المناهج الغربية في الدراسة والنقد. وكان واضحا إخلاص الأساتذة للنظرة النقدية العلمية الغربية منذ السبعينيات من القرن المنصرم. وقد تبين الآن في المغرب توجه خريجي الجامعات، أقصد أصحاب البحوث الجامعية التي تلتزم في دراساتها بالمناهج الغربية بالحرف، وتبحث في مفهوم إجرائي وجزئي واحد، أو تبحث في تطبيق المنهج العلمي بالكامل. وأطلق في المغرب على هؤلاء الكتاب وصف "باحث". أي أنه مجرب، يطبق المناهج العلمية التي درسها على النصوص الإبداعية ويحاول طبعا إخضاعها لفرضيات الانطلاق. مع زمرة الباحثين يمكن الحديث عن التأثير ولا أقول التبعية. لأن البحث الجامعي جزء مهم في بلورة النقد الأدبي العربي الحديث.

وإلى جانب هؤلاء الباحثين يوجد في العالم العربي نقاد أدب. ويقصد منهم أولئك الذين لا يقبلون بتجريب واختبار المناهج الغربية العلمية، فحسب بل يناقشونها قبل مناقشة النصوص الإبداعية. ولا يقفون عند حدود التطبيق المدرسي، بل ينصتون للنصوص الإبداعية، وينصتون للواقع، ويتساجلون مع الأفكار المضمنة في الكتابات الحديثة التي يرفض أصحابها الاعتماد على المنهج، كليا، وينطلقون من رؤية المغايرة...وهؤلاء النقاد صورة النقد العربي الحديث الذي ينهل معرفته من القديم والحديث الغربي والعربي، لكن حرصه على البقاء ضمن سياق التحول يدفعه نحو المناطق الأكثر صعوبة، مناطق الاختلاف.

إذا، فالنقد العربي ليس كله تقليد وتبعية لما أنتجه الغرب، رغم أنني لا أرى عيبا مطلقا في تلاقح التجارب المعرفية، والأخذ بكل الأدوات الممكنة التي تساعد في فهم أعمق لظاهرة الكتابة، والحاجة إليها، وأبعادها الحضارية والثقافية والنفسية والاجتماعية.

-أنت تهتم مؤخرا بالأدب النسوي، هل حقا يوجد تصنيف بهذا الشكل نسوي، ولماذا لا يستعمل مصطلح أدب ذكوري؟ نسبة لجنس الرجل؟

صحيح أن اهتمامي مؤخرا توجه نحو الكتابة النسائية. والهدف طبعا محاولة الإجابة على السؤال الذي تفضلت بطرحه. هل هناك كتابة نسائية عربية؟ هل يمكن إعادة الاعتبار لقيمة المرأة في المجتمع والسياسة من خلال الكتابة؟ ...

وقد توج ذلك الاهتمام بصدور كتابي "المرأة والسرد" ودرست فيه الرواية والقصة القصيرة. وسيأتي بعده كتاب " بناء الحكاية والشخصية في الرواية النسائية العربية"، وهو كتاب يحاول الاقتراب من تجربة المرأة العربية في كتابة الرواية. وقد لاحظت بالفعل تنوعا في الكيف وتراكما في الكم مؤخرا.

شخصيا فرقت في الكتاب الأول بين نوعين من الكتابة عند المرأة: الكتابة النسائية، والكتابة النسوية. فالكتابة النسائية هي الصادرة عن المرأة الكاتبة دون خلفية إيديولوجية "نسوية". تكتبها المرأة لأنها تقدم نفسها كاتبة مبدعة أولا. تهتم بالصيغ الجمالية، وتبحث في الموضوعات الحيوية والعامة التي تهم المجتمع بطرفيه الرجل والمرأة. وتكشف عن حقيقة المرأة وحقيقة مشاعرها. وطبعا لا يعني هذا أنها كتابة خالية من الموقف، بل على العكس إنها كتابة ذات موقف من الذات والعالم والآخر لكن تقدم الجمالي والإبداعي على الموقف الإيديولوجي.

الكتابة النسوية مختلفة عن الأولى كونها تنطلق من خلفية "نسوية" يتراجع فيها الجمالي والإبداعي لصالح الفكرة المسبقة حول الواقع والرجل والذات. وتكون هذه الكتابة ذات مطالب (في مضمونها) سياسية وحقوقية. إنها نوع من النضال بالكتابة. النضال ضد مغتصب وضد وضع مرفوض. ومحاولة تغييره إلى الأحسن حسب الموقف المسبق.

والكتابة النسوية تعلن منذ البدء اختلافها عن الكتابة الرجالية. التي لا تتخذ من المرأة موقفا، بل تجعلها موضوعا جماليا. باختصار يتوجه الرجل في كتاباته ذات البعد الأطروحاتي إلى المجتمع ينتقده ويحاكم القائمين عليه. بينما تتوجه الكتابة النسوية إلى الرجل لأنه معيق اجتماعي نحو التحرر. وبعد الرجل يقف بعيدا المجتمع كمؤسسات سياسية وحقوقية...ولهذا لاحظت في كثير من هذه الكتابات أنها تشوه صورة الرجل، خلقيا ببتر أحد أطرافه، أو بمواجهته بما تعتبره تلك الكتابات إهانة قاسية له عندما تمسه في موضوع الفحولة...إلخ.

إذا هناك كتابة نسائية ذات بعد إبداعي وجمالي تضيف إلى الكتابة العربية عامة وتثري المكتبات العربية المعاصر بأفكارها الجديدة وبأساليبها المبتكرة، وبتحاليلها العميقة للواقع الاجتماعي والسياسي والحقوقي. وهناك كتابة "نسوية" تدافع عن وضعية المرأة في المجتمع العربي، وتولي الأهمية للقضايا الحقوقية، وللدور السياسي للمرأة العربية حتى تخرج من منطقة الشلل الذي وضعتها فيه الفترات التاريخية السالفة.  

-هل تشعر بأن كتابة المرأة أضافت للإبداع العربي أم أنها بقيت محصورة في عقدة الاضطهاد وهاجس فرض الذات وإثبات الوجود؟

أعتبر أن دور المرأة قادم وبقوة في تفعيل الكتابة العربية، وفي اقتراحاتها الجمالية المبتكرة، وبأنها ستساعد على تغيير وإغناء المكتبة العربية. والدليل على ذلك الأسماء الجديدة والمجدة  المجددة في آن، والكثيرة ليس في المغرب العربي وحسب، بل الكاتبات القادمات من الخليج العربي يفرضن حاليا أصواتهن وبجرأة مميزة. وكل ذلك إضافة سواء أ كانت كتابات نسائية أم كتابات نسوية.

-إذا انتقلنا إلى مجال أوسع ما رأيك في وضعنا الثقافي العربي اليوم؟ أقصد أنه لم يصغ بعد أسئلة قادرة على بناء فعلي للذات العربية في تعدديتها؟ لا يزال خطاب الواحد( لنفترض أنه خطاب السياسي) قويا ومهيمنا، ما رأيك؟

الوضع الثقافي العربي اليوم أكثر تعقيدا من سابقه. على المستوى الإبداعي تحقق الشيء الكثير. هناك تراكم وتنوع في الإبداع. هناك تجريب في الكتابة، في صيغ الكتابة أخذ مداه، وتعدد أبعاده. والموضوعات التي تم اختبارها كثيرة جدا. تم إحياء التراث العربي السياسي والصوفي والتاريخي...وتم استغلال جمال الرمز في الأسطورة اليونانية والرومانية ...كما اعتمد الكتاب على إحياء الموروث الشعبي لكل قطر على حدة...لكن الفرق يكمن في أن الثقافي الآن ازداد، رغم التنوع والتعدد ووفرة الكتاب، عزلة وتهميشا. ويلاحظ ذلك الجميع في أغلب الأقطار العربية، من خلال الميزانيات المخصصة من مال الدولة لتسيير قطاع الثقافة. وأيضا من خلال تراجع مستوى القراءة، ومحاصرة الكتاب ومنعه من الانتقال بحرية بين الأقطار العربية. ويلاحظ كذلك من خلال عملية منع نشر الكتب، وحبس أصحابها أو تكفيرهم وتجريمهم...زد على كل ذلك المجابهة الحقيقية والاختبار العسير للكتاب أمام التقنيات الحديثة والسياق الرقمي الذي وسع من هامش الكتابة والكتاب لكن خلق انحسارا في المتابعة واللقاء. لأن الواقع محدود بالزمان والمكان. بينما الافتراضي مطلق ولا محدود. ولا يمكنك الترحال بسهولة بين خيط الشبكة الدولية...

الوضع الثقافي اليوم فعلا ملتبس، هناك غنى ووفرة في المقترح الإبداعي والمنجز أيضا لكن يقابله إهمال وتهميش وتقليل من قيمة الفعل الثقافي والإبداعي خصوصا ما دامت القوى العربية غير قادرة على جعل الكتاب مجالا حيويا للاستثمار. ولا تقبل حتى التفكير الجدي في العملية. فتح نوافذ الإعلام الأرضي والفضائي الجاد على الكتابة الجادة التي تخلق القيم وتربي الشعوب على حب القراءة، وحب المعرفة، وحب الذات الكريمة...والأخطر من كل ذلك استسلام الكتاب والمثقفين للأمر الواقع، وقبولهم بعد سلسلة الفشل السياسي في تحقيق الأهداف والأفكار وقبولهم بالقليل المنجز، كالوصول إلى مراكز القرار التي أصبحت مراكز الثراء والتسلط والشطط...الموضوع ذو شجون يا صديقي.

لذلك أقول لك ليس الثقافي وحده الذي يعاني اليوم بل السياسي أكثر.

-الغرب ونحن، نحن والغرب، ربما الجدل لم يتوقف حتى الآن ويزداد في عصر العولمة، لماذا لم نستطع لا أن نشبههم ولا أن نكون كما نحن؟ لماذا بقينا في وضع هوياتي ممأزق باستمرار؟

في كتابي "الرؤية الفجائعية في الأدب العربي نهاية القرن العشرين" أو في نسخته الخاصة بالرواية العربية فحسب، حصرت، كما تبدى لي، أن مشكلتنا الحضارية وليست السياسية أو الثقافية فقط؛ تقف عند مفهومين لم نستطع بعد تجاوزهما، وهما: سؤال الهوية، وسؤال المصير.

فالعربي ظل مشدودا إلى قضية الهوية. من هو؟ لقد كان سيدا وأصبح لا شيء. كان قائدا وأصبح منقادا. ينظر إلى الخلف فيجد تراثا ضخما في الفقه والسياسة والأدب...وينظر إلى حاله فيجد نفسه بلا رأي أو موقف صريح. عاجز عن اتخاذ القرار والموقف لوحده، بمفرده، دون وصاية خارجية. ومن ثمة نشأ عنده إحساس مفجع بمصيره. سؤال المصير. إلى أين يسير وهو بهذه الحال المترجرجة؟

ولعل هذا الإحساس يأتي من اللحظة التي يتردد فيها الفكر، ويصبح في الموقف الما بين، المناطق الحدودية البيضاء. أقول هذا وأنا أفكر الآن في حال دول غربية كثيرة، وضمنها فرنسا مثلا. ففرنسا الحرية والمساواة والإخاء، فرنسا عصر الأنوار، فرنسا العقل وديكارت وفولتير...فرنسا فوكو...وسارتر. فرنسا الممتلئة ثقافيا وسياسيا بعد الثورة السياسية والتاريخية، بعد الثورات اللاحقة الثقافية والفكرية تقع اليوم في لجة سؤال الهوية. بعد الغزو الأمريكي، واجتياح فكر العولمة، والسوق الجشع...وما أثير إبان غزو العراق بين فرنسا وأمريكا/ العالم القديم والعالم الجديد وجه من وجوه الصراع "الهوياتي" الغربي- الغربي، وما أثاره الرئيس ميتيران سابقا حول اللغة الفرنسية وجه آخر للسؤال الإشكالي، وما تعانيه الدعوة الفرنكوفونية في العالم اليوم وجه آخر أيضا. قبل عقد فقط كان الباحث المغربي الذي يكتب باللغة وفي اللغة الفرنسية لا يشعر بالقلق نظرا لانسجام المفهوم ومضمونه، اليوم وأنا أقرا في المجال الإلكتروني والرقمي أشعر بالقلق الذي يجتاح اللغة الفرنسية وهي تصارع من أجل اللحاق باللغة الانجليزية. وأسوق لك مثالا بسيطا وبارزا تابعته عند ظهوره: لقد أثار مفهوم البريد الإلكتروني مثلا مشكلة عند الفرنسيين ولم يتجاوزوها إلا بالاستسلام لقوة الاستعمال اللغوي فتأرجح الفرنسيون بين نقل اللفظة كما في " E-MAIL" وبين اللفظة الفرنسية هل نقول هنا المفرنسة " Courrier électronique" وهكذا دواليك...

إن سؤال الهوية لا يعالج إلا بالوقفة الشجاعة مع الذات. والقبول بالرأي المنتقد للذات، وهذا ما لم يقبله العالم العربي. فباب الاجتهاد – نستعير هنا المصطلح- الفكري والسياسي والثقافي ممنوع. وبالتالي فمشكل الهوية قائم. وقد يتوسع القارئ في الموضوع بطرح سؤال ما دور الهيمنة الاقتصادية في إزاحة الهويات، أعني خلق أزمة هوية لدى الدول والشعوب الأخرى؟

-ما هي مشاريعك القادمة؟

حاليا أشتغل على كتابين، على إنهائهما وتقديمهما للنشر. الأول يتعلق بالعالم الإبداعي والنقدي للكاتب العراقي المقيم بتونس عبد الرحمن مجيد الربيعي. وهو عمل نقدي يدرس إنتاج الكاتب من خلال التنوع والغنى اللذين عرف بهما عبد الرحمن مجيد الربيعي، كما أن الكتاب محاولة اعتراف بمجهود الرجل في إغناء المكتبة العربية، والخدمات التي قدمها لكثير من المبدعات والمبدعين العرب الشباب والكهول. الكتاب الثاني اخترت له عنوانا مرحليا، مرتبطا بمجال بحثي الحالي وهو:" بناء الحكاية والشخصية في الرواية النسائية العربية المعاصرة". وكما هي عادتي في مثل هذه الدراسات النقدية ارتأيت أن أضيف إلى الكتاب دراستين واحدة عن الرواية النسائية التونسية، وأخرى عن الرواية النسائية في الجزائر، حتى يكون الكتاب خطوة مفيدة ومهمة لي وللدارسين في تتبع تجليات الكتابة النسائية العربية في مختلف الأقطار العربية واستخلاص المؤتلف والمختلف في تلك الكتابات. وبعدها طبعا يمكننا الحديث عن كتابة نسائية عربية، أو فقط الحديث عن كتابة نسوية ذات بعد إيديولوجي محض لا جمالي وأدبي.

وما أزال أنتظر منذ حوالي أربع سنوات صدور كتابي "القصة القصيرة المغربية في السبعينيات" عن اتحاد كتاب المغرب.

شكرا لك

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité