Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
1 février 2008

مدين للصدفة، الموجودات المحايثة

محمد معتصم

مدين للصدفة، الموجودات المحايثة

1/ في قصيدة "ظلال تطوي الأرض" وقد اختارها الشاعر خاتمة لديوانه الثاني "مدين للصدفة"، يقول في آخرها:

" مطر

هذا العمر ذو القطرات

ذو الفقاعات

ذو الرغبة في التلاشي،

نصعد العقبة منحدرين،

طيور سود فوق هاماتنا

بينما الظلال تطوي الأرض." ص (92)

وهو ما يدل على أن القصيدة عند الشاعر جمال الموساوي ليست وليدة الصدفة بل هي نابعة من تخطيط، أو لنقل إنها تنبع من عين واحدة. تلك العين التي نبع منها الديوان الأول للشاعر "كتاب الظل". وهنا بالتحديد أكتشف عميقا حساسية الشاعر. وأتفاعل معها، لأنها ستمنحني إمكانية التأويل اللامحدود للقول الشعري. وأهم تلك الأبعاد؛ البعد الذي يقف متأملا الذات محاورا إياها، متصارعا معها في آن، والذي يقف في وجه الواقع (المستنقع) ناشدا الحلول والتلاشي.

وتتخذ الظلال في الديوان معاني متعددة، أهمها "غياب الأثر"؛ يقول النص:" الحروف لا تتسع أكثر/ وخطاي بلا أثر/ في الأرض..." ص (11). وكأن الأثر بعد تلاشي الجسد، ينشد انشداد الذات الشاعرة إلى الواقع وإلى الحياة التي تضج بالتناقضات وتحفل بالموت، بينما تطلب هي الانفلات والانخطاف والحلول في المطلق واللا شيء. فلا حقيقة في القصيدة، في اللغة، غير الظلال. وكأن الظل أصل والجسم فرع منعكس عنه. وفي انقلاب المعنى تضمين لإحساس خالص بالتذمر من الوضع والواقع، وتفاوت ملموس بين واقع الحال ومطمح الذات.

وتجاور الظلالَ ألفاظٌ قريبة من حيث الحقلُ المعجميُّ. لكنها جميعا تستخف بثقل الجسد، وبالحياة، وتمدح التسامي الروحي. ومما يبعث في القصيدة على الاستخفاف بالحياة، ورود لفظ الموت بصورة مكثفة ملفتة للانتباه. وأبرزها موت الأصدقاء، والموت هنا يتخذ المعنى المباشر للكلمة دون اللجوء إلى المجاز. أي توقف الكائن عن الموجود الفعلي والمحسوس. ويتخذ الموت معنىً مطابقا لليقين والحقيقة كونه قيمة ثابتة لا تقبل الجدال. ويتخذ معنى أعمق عندما يقترن بحالة من التسامي وانشداد التحول والتخلص من المادة، عندما يصبح الموت مرادفا لغياب الأثر. وليس جديدا الحديث عن ارتباط الأثر بالعلامة. لأنه دليل على وجود سابق. لكن دلالة الأثر أعمق من دلالة العلامة، لأنه يدل على وجود مضاعف. وجود بين الحقيقة العينية وبين الغياب المبرر. أي أنه يدل في الآن ذاته على وجود متناقض هو الغياب والحضور في آن. بينما الذات الشاعرة وهي تتحلل في القصيدة أو في كيمياء اللغة وتنتثر في المتخيل والقول الشعريين ترغب فقط في السكينة والتيه في دروب اللغة والخيال. ومن معاني الموت في الديوان وأبعاده أنها تصبح بين يدي الشاعر موضوعة للتفكير وبوابة نحو الفناء، أي نحو الخلود والبقاء. وهذا النمط من التعبير عن الذات بالمتناقضات، يسود قصائد الديوان. إنها صيغة من صيغ الكتابة الشعرية.

لا تصارع القصيدة عند جمال الموساوي قيمة وقضية التعايش المحايث بين الحضور والغياب. لأن في كل حال امتلاء هناك بوابات الخواء. وفي كل وجود قيمة الضياع. وفي كل اكتمال نقصان. بل نجد صراعا مع الآخر الذي يشن الحروب على الذات الشاعرة، وقلق سكينتها. لهذا تحفل القصائد بمثل هذا الصراع، وتتكرر لفظة الحرب بصورة واضحة أيضا، ويتجلى الآخر في صور متعددة، الآخر المعاتب. الآخر المشاكس. الآخر الذات.

وما دامت هذه القراءة تروم الوقوف عند ظاهرة بعينها؛ هي ظاهرة الوجود المحايث للمتناقضات والأضداد في الواقع كما في المتخيل الشعري لجمال الموساوي، فإنني أرغب في التنويه بقصيدة "قلتَ وأنتَ تحاوركَ" التي بدت لي ذروة الديوان. وإذا كان بيت من الشعر محكم بليغ، أو صورة شعرية فريدة تجيز الشاعر القديم، فإن وجود هذه القصيدة الحكمية، المحكمة، العميقة دلالة، السلسلة السليمة لغة، والتي نوع فيها بجعل المتكلم مخاطبا، وأفصح فيها عن عقيدة لا تثق إلا بالقلب بصرا وبصيرة، تجيز صدور الديوان.

وتتضمن القصيدة موضوعات شتى لكنها تتمحور حول قضية شعرية واحدة. قضية تصفية كل المتناقضات بطرحها جانبا والتصديق فقط ببوصلة القلب، القلب كأداة للتمييز، والتوجيه، وهو في هذا يختلف؛ أي الشاعر، عن مجايليه من شعراء ما بعد الحداثيين. يقول النص:" انظر، ثمة منطقة غامضة. هي ليست قلبك بالتأكيد." ص (49). ويقول كذلك:" كن أعمى، إذا شئت، لكن، من فضلك، دع قلبك يتصرف." ص (51). ويقول أخيرا مطمئنا نفسه، محاورا آخره الذي ليس سوى ذاته:" ما بالك نهبا للهواجس، لست خارج اليقين. /انظر...المرآة لم تبدل صورتك." ص (53).

ومن بين الوجودات المتناقضة كذلك والتي تشير إليها القصيدة أعلاه، والتي ينبني عليها المتخيل الشعري في الديوان تجاور لفظتي الموت والقلق، واحتلالهما لمساحات واسعة منه. وإذا اعتاد التحليل النفسي الربط المباشر بين القلق والموت فإن الشاعر في القصيدة يتعامل مع القلق لا كنتيجة للخوف من الموت كنهاية للكائن أو كبوابة مفتوحة على المجهول، بل يجعل القلق حالة من حالات الصراع، حالة تجعل الذات متيقظة متوجسة لا تصارع الآتي ولا تندم على ما فات بل تصارع الحاضر الذي تحول إلى مستنقع، أو هكذا تحسه الذات في الديوان. وتصارع الآخر المتربص بالذات أيضا. وفي بعض الحالات فقط يرد القلق بالمعنى التقليدي عندما تميل القصيدة بالشاعر نحو الشرفات التي لا يقف بها أحد، أو يملؤها البياض. أي الغياب والموت. فيتحرك هنا مبدأ المقاومة، مقاومة الرغبة ومقاومة الموت، ومقاومة الواقع في آن واحد.

وهذه واحدة من أثافي الشعر العربي القديم، ومن مرتكزات حث الشعر على التدفق. وأقصد الحالة الوجودية القلقة التي يضع فيها الشاعر ذاته في بؤرة الما بين، بين الماضي الذي اندثر ولم تبق منه سوى الآثار والرسوم والذكريات، وبين الحاضر البائس الضاج بالوحدة والعزلة وغربة الذات وهي تصارع وجودين متناقضين. لهذا قلت سلفا بأن الشاعر جمال الموساوي ليس في شعره ما يربطه بالتجربة المغربية والعربية الما بعد حداثية، وإنما يثبت من خلال هذا الديوان أن المسار الذي اختاره لقصيدته مسار الاستمرارية لا القطيعة.

* جمال الموساوي. مدين للصدفة. شعر. ط 1. 2007. مطبعة آنفو- برانت. فاس. المغرب.

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité