سحر ملص مسكونة بالأماكن
صورة لسحر ملص الكاتبة الصيدلانية
سحر ملص مسكونة بالأماكن .. عمان حاضنة الروح كتبت على جدران بيت شعرها دقائق طفولتي
حاورتها سميرة عوض - تعترف الكاتبة سحر ملص أنها للان لم تطرح مكانها الأول في إبداعها، ولا تخفي خشيتها من التجربة، وتكشف أنها كتبت رواية ولم تنشرها، تتحدث فيها عن شخصيات تلك العمارة الغريبة والمختلفة، تطرح فيها صورة عمان القديمة.
وتسترجع ملص طفولتها قرب جسر رغدان في عمارة يملكها والدها سكنها أناس من جنسيات مختلفة، فترجع طفلة تطوف في ذاك المكان تقرع أبواب المستأجرين تطلب إيجار البيوت ''في آخر الشهر'' كأي محصل ضرائب محترف، ترنو إلى نافذة البيت في الأعلى فتلمح طيف امرأة في بياض الثلج ترتدي غلالة حمراء وتضع وردة على رأسها تحتسي قهوتها بحضور أبيها.. تلك المرأة هي أمها.
وسحر تلك الطفلة الشقية كانت هناك- في عمان القديمة- تصنع العالم، تتخيله، تراقب الشمس وهي تسقط خلف جبل عمان فتظن ذاك المكان هو نهاية الدنيا.
وتنثال أماكن سحر: فمن القدس إلى بيت الله الحرام، مرورا بفلورنسا، وبيت بيتهوفن في النمسا، سنغافورة، ماليزيا، عشقها لعجلون، وعمان، ودمشق ورائحة العشب، وغيرها.. وما تزال تحلم بزيارة اسبانيا وباريس عاصمة الجمال..
مع أماكن الكاتبة سحر ملص نتجول لنطالع عشقها الأوحد، خصوصا وأنها من أوائل عشاق الكتابة عن المكان الأردني.
''بردى'' ينحني مثل شعر صبية
في كتابك ''ذاكرة المكان'' كتبت وكأنك قد عشت في القرية، ما سر علاقتك بالريف؟
أنا ولدت وعشت في أقدم عاصمة مأهولة بالسكان دمشق، ولكن حتى هي نفسها كانت تنفث عبق الطبيعة بربيع غوطتها، ونهر بردى الذي ينحني فيه الصفصاف مثل شعر صبية. أعترف بأنني عاشقة للطبيعة وقد قضيت معظم عمري بين أحضانها فهي تغذي روحي وتنعشها فانا شجرة لوز في الربيع، وعنقود عنب في الصيف وزهرة عباد الشمس في الخريف، وخضرة الشتاء في فصل المطر.
تقف القلعة خاشعة
عندما تسمع بعبارة أماكن لها في القلب أماكن ما هو المكان الذي يخطر ببالك؟
عجلون.. بكل خضرتها وجمالها.. أستذكر قلعتها في الصباح الباكر حين يعانقها الغيم فتصبح مدينة ضبابية يُغشيها الندى، يحتضن بين جوانحه قلعة صامتة، وتنفث أشجار الصنوبر عطرها، وفي الليل تقف القلعة خاشعة ويبدأ صوت صرار الليل بالشدو، ثم فجأة من إحدى نوافذ القلعة يخرج القمر بهيا، يقرع أجراس القلعة، يضيء السماء بهالته، ثم يدرج خطاه في مدينة عجلون فتنتشي الكائنات وتنطلق الأرواح هائمة تبحث عن سر هذا الجمال.
أستحضر أرواح ساكنيه!
هل من ارتباط بين الأماكن والأشخاص في الذاكرة؟
نعم.. ويا له من ارتباط وهل يكون المكان إلا في حضور أشخاصه، أنني مسكونة بالأماكن، لم أزر يوما مكانا إلا استحضرت أرواح ساكنيه، استقبلتني سلمت علي.. شاهدت مواكبها، سمعت ضجيج أوانيها، سرت معها وقبل المغيب رحلت عني وتركتني مذهولة، أحيانا أفكر أن أستحضر قواي الروحية وخيالي بعد موتي لأرجع لزيارة الأرض بعد رحيلي عنها، وأتساءل ترى كيف ستكون الحياة بعد رحيلنا عنها، وأقرأ الجواب من رؤيتي لأطلال الآخرين.
لقد كانت زياراتي لأماكن كثيرة عالمية وعربية ومحلية، تهدف إلى فهم وإدراك معنى الحياة، ونظرة الناس المختلفة للكون، والوقوف على حضارات مختلفة كل ذلك كي أصل إلى فلسفة خاصة لمعنى الحياة، والهدف من وجودي فأسلك دربا خاصا بي.
... وتركوا لي المفاتيح
هنالك أماكن تمرين بها فتشتمين رائحة ماضيك فكأنها تعيد الزمن إليك بطقوسه، بذكرياته، ما هي هذه الأماكن؟
انه بيت الطفولة في منطقة جسر رغدان، حيث كان أبي مالكا لعمارة سكنها العديد من السكان من الجنسيات المختلفة عربية وأردنية وبعض الأجنبية، كان بيتنا في أعلى العمارة واسعا يطل على عمان، وعندما تشرق شمس الحاضر، أرحل معها حيث تكنس الدرجات المائة للعمارة بأهدابها فأسمع صوت بائع الكعك المسمسم، وينثال صوت المقريء عبدالباسط وهو يقرأ الٌقرآن، وتتثاءب نوافذ البيوت فيها، ويختلط ذلك بصوت بائع الحليب الطازج، وأسمع صوت ''بابور الكاز'' الذي تدقه امرأة لتصنع الشاي لأطفالها. أرجع طفلة تطوف في ذاك المكان تقرع أبواب المستأجرين تطلب إيجار البيوت ''في آخر الشهر'' كأي محصل ضرائب محترف، ثم أرنو إلى نافذة البيت في الأعلى فألمح طيف امرأة في بياض الثلج ترتدي غلالة حمراء وتضع وردة على رأسها تحتسي قهوتها بحضور أبي.. تلك هي أمي. الآن عبثا أحاول كسر حاجز الزمن للعودة إلى ذلك المكان فأجد أنه صار مهجورا، أناسه قد رحلوا، خيولهم هربت في هزيع الليل، قدورهم صدئت ''وتركوا لي المفاتيح.. وتركوا صوت الريح، وراحوا ما تركوا عنوان فأصرخ ''وينن!''.
تلك الطفلة الشقية هي أنا
مكان الطفولة الأولى ما هو؟ وكيف وظفته في إبداعك؟.
عندما أستذكر ذلك أشرق بدمعي للحظة تلسعني الذكرى فقد انفلت الزمن من بين أصابعي مثل شلال رمل.. للحظات أهرب للطفولة فأتحول إلى فراشة تُحلق وسط الريح.. أنا أعتقد بأنني روح أكثر مما أنا جسد. الآن أرجع طفلة إلى شرفة خضراء سقفها مصنوع من خشب الخوص، وكذلك جدرانها لونها اخضر، تُزينها أضواء ملونة، مزروعة بشجرة توت وتفاح، وياسمين، وورد جوري، لها نوافذ متحركة إن فُتحت تُطل على عمان وتضحك قلعتها. فوق هذا المعرش الأخضر كانت تجلس طفلة شقية تعانق كل تلك الأشجار، تشدو بصوتها بغناء طفولي بريء، تلك الطفلة الشقية هي أنا.. هنا كنت اصنع العالم، أتخيله، أراقب الشمس وهي تسقط خلف جبل عمان فأظن ذاك المكان هو نهاية الدنيا.
أعترف بأنني للان لم اطرح مكاني الأول في إبداعي وأحيانا أخشى من التجربة، فقط كتبت رواية ولم انشرها، تتحدث عن شخصيات تلك العمارة الغريبة والمختلفة لكنني لم انشرها وفيها تطرح صورة عمان القديمة. لا يصنعها لي سواي!. بعض الأماكن قد تمرين بها الآن، ولا تصدقين أنك كنت فيها ذات يوم ليس ببعيد، وتقولين كأن ذلك المكان لم يحتضني يوما، ما هو هذا المكان ولماذا؟. بصراحة بيتي في ضاحية الرشيد الذي أخرجت منه عنوة بعدما بنيته لحظة بلحظة، حتى أن عرق أصابعي ما يزال على أبوابه التي طليتها بيدي عندما غادرته مجبرة تألمت، وظّلت روحي لفترة من الزمن تقرع نوافذه الزجاجية عبثا، وآنت روحي مثل حمامة مجروحة تحت المطر. فقد عشت فيه ثماني سنوات وسط عسل مر تذوقته فمن شيمته الغدر. لكن الله عوضني أشياء أفضل منه، وعادت روحي تحلق فرحة وأنا أدرك أن السعادة لا يصنعها لي أحد سواي، على أية حال ثمة أماكن تسكن فيها أرواح شريرة وأخرى تسكنها أرواح خيرة تنعكس على ساكني هذه الأماكن.
هنالك أجمل منها
بعض الأماكن نسمع بها أو نقرأها ونُتيم بها وعندما نزورها لا نجدها كما هي في خيالنا هل حدث معك مثل هذا؟
نعم كنت أسمع أن سويسرا جنة الله على الأرض، وعندما زرتها وجدتها جميلة، ولكن وجدت النمسا أجمل منها بكثير، وتخيلت سنغافورة جزيرة استوائية، وتفاجأت بأنها جزيرة إسمنتية، وان ماليزيا أجمل منها بكثير كطبيعة. كأنني على سفينة نوح. أماكن لدينا انطباعات عنها، وإن لم نزرها يوما ولم نقصدها، وثمة أماكن زرناها وتركت فينا خصوصية مختلفة ما هي أماكنك هذه؟. ذات فجر والشفق الوردي يُغلف الأفق كنت على ظهر سفينة تبحر باتجاه مدينة فلورنسا المدينة العائمة، وكان على متن السفينة خليط من السياح الذين تتعانق نظراتهم بعلامات استغراب واستفهام حول سر المدينة التي نقصدها، وعندما وصلناها كان الشفق الوردي ما زال يُغلف تلك المدينة الساحرة العائمة فبكل ما حولها ماء، أقبية وحنايا.. جسور تنهدات، ساحة القديس سان ماركو والحمام الذي يهدل على أرض الساحة، أدراج وأسواق، قوارب الجندويل التي تبحر، صدى آهات العشاق باعة التحف والزجاج الملون، قناديل وأعمدة، ثم فجأة وجدت ذاتي وكأنني على سفينة نوح حيث لا وردة ولا شجرة خضراء إنما ماء وحجارة وبشر، كانت تلك مدينة ساحرة ففي كل لحظة يحتضنها الماء لهفا ثم ينحسر عنها فجأة حطت على كتفي حمامة أغويتها ببعض الحب في يدي وشعرت بلحظة كونية تعبر عن وحدة الإنسان والأرض والمخلوقات ما زلت أحن لتلك المدينة.
''يا عشاق العالم اتحدوا''
ثمة مدن تستهوينا تناسبنا تؤرقنا، ثمة مدن وجهها خير وأخرى.... ما هي مدينتك الأكثر قربا ولماذا؟
دمشق... أمي... مسقط رأسي... ومرتع بعض من طفولتي تلك الأم الناضجة التي منحتني شهادتي الجامعية، ما زلت أحن إليها حيث تهدهد روحي، أشتاق لكلية الصيدلة القديمة الرمادية بأبوابها وحناياها القوطية التي يجلس عليها العشاق مثنى مثنى وقد كتبوا على الجدران ''يا عشاق العالم اتحدوا'' وللأسف لم يتحد لا عمال العالم ولا عشاقه. دمشق صنعتني أعطتني سلاحي عمدتني وقالت سيري على الدرب مباركة أنت أيتها الصبية واسقتني رشفة من ماء بردى لم اظمأ بعدها.
تراب أبي عماني وقبر أمي..
أما عمان فهي حاضنة الروح، البوتقة التي صهرتني، علمتني، منحتني شهادة أخرى من جامعتها، عرفتني بأصدقائي، كتبت على جدران بيت شعرها دقائق طفولتي. وحين طُعنت فيها بيد غادرة، فكرت بالرحيل، ولكني لمحت دمعة أبي الذي استوطنها في عام 1938م هزتني دمعته وهو يشير إلى عمان ودمشق، وعينيه الزرقاوتين قائلا: توقفي يا ابنتي هذه عيني وتلك عيني فأيهما تختاري؟. وجثوت راكعة باكية فقد أدركت أن تراب أبي قد صار هنا عماني الإيقاع وكذلك، قبر أمي.. ولفحتني جذور العروبة فسكن قلبي.
رائحة الطابون وناي الراعي.
ثمة أماكن نهواها بالفطرة وأخرى نهواها لأسباب ربما لو كنا دقيقين في بحثنا عنها لوجدناها في دواخلنا ''أماكن في القلب'' ما هو مكانك الفطري؟.
مكاني الفطري هو الطبيعة بكل جمالها وبساطتها والغربة خاصة لأنها تعيدني إلى جذور الإنسان العميقة، إننا نغرق أنفسنا ''غرقا جافا'' بالأبنية الإسمنتية أما الطبيعة فهناك نبع الروح، وصهيل النفس، رمز البراءة، حيث صوت الدبكة في الصباح، ورائحة خبز الطابون والبيوت الطينية، ورائحة عرق الراعيات الصبايا، وصوت ناي الراعي كل ذلك يعيدني إلى الفطرة الأولى.
انه بيت الله الخالد.
ما المكان الذي تحبينه في هذا العالم وله في قلبك مساحة أكبر؟.
بيت الله الحرام، بالذات الكعبة التي زرتها مرة معتمرة ووجدت ذاتي أعانقها وأنا أدعو بدعاء الالتزام، هناك تقاربت المسافة من حولي ما بين السماء والأرض وصرت طيفا وروحا أدركت معاني كثيرة كونية، إنها أجمل مكان باهر شاهدته في حياتي. فهي مكان خاص جدا، انصح كل مهموم أن يذهب إليها، انه بيت الله الخالد.
الأردن والقدس وبيت بيتهوفن
اختاري مكانا أردنيا، عربيا، عالميا ترك أثرا في قلبك، روحك، إبداعك ولماذا؟
أردنيا: البترا أسطورة زمانها الوردية، أو مدينة أخرى مهجورة، إنها أم الجمال مدينة أطلال تحتاج إلى إعادة الحياة إليها، ربما لم يلاحظ الناس أن الأردن بلد المدن الملونة، عجلون خضراء، جرش صفراء، عمان بيضاء، أم الجمال سوداء، البترا وردية، رم بنفسجية، والعقبة زرقاء، فأي ألوان الطيف القوس قزحية هذا الوطن. عربيا: القدس، التي زرتها وأبي طفلة يحشر جسدي في صندوق عربة ''الفولكس فاجن'' مثل قطة، حيث أخذني إلى مسجد قبة الصخرة، وصليت هناك شاهدت بئر الأرواح بشموعه فلما كبرت وزرتها ثانية بحثت عن بئر الأرواح ولم أجده. عالميا: بيت بيتهوفن في النمسا الذي أذهلتني بساطته التي أنتجت كل تلك العبقرية في الإبداع الموسيقي، فهناك معزفه، ومملحة طعامه ووعاء السكر، ونافذة البيت الصغيرة الخشبية التي تعانق سماء فيينا.
البحر كنز الله في الارض
هنالك أماكن من النادر أن يذهب إليها العامة وإن ذهبوا فلأنه سمح لهم بالذهاب إليها بشكل خاص ما هو المكان الذي تلجئين إليه؟
البحر.. هو كنز الله في الأرض، يغسل روحي، يسحبني إلى عالم الإبداع والتأمل، كلما تعبت نفسي ذهبت إليه حالمة باكية فهو رجلي الأوحد الذي يحتويني ويهدهد رأسي ويغسل أحزاني. أصهل لرائحة العشب. روائح الأماكن، ألوانها، فصولها، جغرافيتها، ما أثرها عليك؟. كل ذلك يسحرني، ينفذ إلى أعماق روحي لدرجة أنني أصهل مثل مهرة إذا صادفت حقلا أتنشق فيه رائحة العشب، وقد أتحسس المكان بأصابعي، هناك صداقة ومودة وقبلات ما بيني وبين الجدران للأماكن التي زرتها، تركت بصماتي على جدران قصر عمرة، وبيت رأس، والمغطس ومكاور، إن روحي تُحلق عاليا وأنا أطوف الأماكن فانا اكتب بروحي، وفي نفس صوفية تتوق للانعتاق من أدران الأرض والرحيل إلى عالم أرحب من الكون ودليلي ومفتاح ذلك الأماكن ففيها أسرار كونية تحتاج إلى قراءة عميقة.
أحلم بغجري عاشق في اسبانيا
المكان الذي تحلمين بزيارته ولم تزوريه بعد؟
اسبانيا.. كي أتحول إلى غجرية تبكي الأطلال وترقص على أهداب حبيبها العربي المدحور من قصور غرناطة والحمراء، وأسمع صوت التحنان بغجري عاشق يردد (أمور). وثمة مكان آخر احن لزيارته ''فرنسا وعاصمة الحرية باريس'' وقبر الفيلسوف جان جاك روسو، أبو الطبيعة، وقد قرأت كتابه إميل أو التربية وأنا في الرابعة عشرة من عمري، ووجدت ذاتي مثله عاشقة للطبيعة، ووجدته أبي الروحي.
أعشق رائحة صنوبر الغابة
المكان الذي لا تملينه وتحبين زيارته في كل الفصول؟
''الغابة'' أو ما يسمى منتزه عمان القومي بشرط ألا يكون ذلك في يوم الجمعة حيث يزدحم فيها الناس، أحب أن أذهب إليها وهي فارغة أعانق أشجارها، أشتم رائحة الصنوبر فيها، أسمع صوت أزيز حشرات الصيف وأقطف دحنونا. أما الآن فقد استغنيت عن ذلك بمزرعة لي صغيرة تشبه أحلامي في قرية العالوك حيث فيها شجرة لوز هي أمي وشجرة زيتون هي أبي.. وأظنها ستكون مستقر روحي وبيتي الأبدي.
مقاطع من السيرة
كاتبة وصيدلانية، حصلت على شهادة بكالوريوس في الصيدلة جامعة دمشق، ودبلوم الدراسات العليا في التأهيل التربوي. عملت في مجال التعليم الصيدلاني، ومجال الصيدلة. لها أربعة عشر كتابا منها أربعة في العلوم الصيدلانية وعشرة في مجال القصة القصيرة، وأدب الرحلات. من أهم كتبها: شقائق النعمان، مسكن الصلصال، الوجه المكتمل، صحوة تحت المطر، أختي السرية، وغيرها. ولها كتاب ذاكرة المكان وهو أول كتاب صدر في الأردن يتحدث عن الأماكن الأثرية بأسلوب شعري وقد صورت الأماكن بعدستها ولها كتاب سفر الرحيل. حصلت على جائزة القصة القصيرة للأدباء الشباب من رابطة الكتاب. جائرة الملكة نور لأدب الطفل التعليمي. الجائزة الفضية لمهرجان الإذاعات العربية في تونس عن قصتها بائع الانتيكا. كتبت للأطفال، حاليا تعمل في صيدليتها الخاصة. وهي سكرتيرة تحرير مجلة براعم عمان الصادرة عن أمانة عمان.
مقاطع من نص
مار الياس.. صومعة السماء الرائعة
عجلون وصباح الندى الممتزج برائحة الطيون الذي تنهد لحظة ارتحلت غلالة الضباب التي كانت تبارك المدينة عند تنفس الفجر.. وابتدأ صوت أزيز الطنان إيذانا ببدء يوم جديد .. وأنا وقفت خاشعة على قمة عجلون وحيدة، ومنسية، أرتل صلواتي واغني معا، وما بين الصلاة وغناء القلب الصادق خيط رفيع.. فجأة ضمني جسد طائر واكتشفت أن قبرة وحيدة كانت تربت على ظهري ثم وقفت تحاورني قائلة:.
-إلى أين؟.
-ما زلت وحيدة..!.
-والعشق؟.
-صلاة الكون الأبدية.
-والطرقات؟.
-لا جدوى منها إن لم تكن صعودا نحو الحكمة؟.
-رحيل أخر..؟.
-ودمعة أخرى.. لكنني حائرة..!.
-أقول لك اتبعيني.. فأنا مجردة من مادياتكم الأرضية، نحن معشر الطيور نحلق في السماء.. نعبر الحدود.. نترفع عن كل ما هو ارضي، تكفينا فتات خبز.. وفي المساء نتوقف عن الهديل بانتظار نجم آخر ليمضي يوم يقربنا أكثر من السماء.
الصخور الوردية التي تنبت من أكمام التراب الأحمر تحرسها سحالي الطريق التي تطل على العابرين.. وأنا اتبع القبرة حافية. اغرق في صلاة الطبيعة والجمال واندب اللحظة التي تفوتني في الحياة لا أكون فيها بنفسجة.. تعشق الندى وتعانق التراب!. الآن انتهت الدرب الإسفلتية وانتصبت أمامي طريق ترابية وعرة تقود إلى تلة مار الياس حيث طيف النبي الذي يصعد هنا.. والشوك الذي أدمى قدميه تطاول الآن مخضباً بالدمع والدماء.. ومن حوله سنابل القمح الخجولة تنتظر أشعة الشمس لتباركها!. أي جمال.. أي عشق وسكينة..
وأنا اسمع صدى الآية القرآنية الكريمة يتردد في صدري ''وان الياس لمن المرسلين'' فارد قائلة: تشاركني الجبال.. ومواكب الفراشات الحائمة في المكان ''سلام على الياسين''.
عن جريدة الرأي الأردنية اليوم