Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
2 juillet 2008

بورتريه : القاصة بسمة النسور : اعتقال الغابة في

بورتريه :

القاصة بسمة النسور : اعتقال الغابة في زجاجة

أنيس الرافعي

عديدة هي الأقنعة الاحتياطية والمراوغة، التي تطارد بلا هوادة

أديبة أدمنت الإقامة الجبرية في الطوابق العليا للاختلاف ، صنو الأردنية بسمة النسور.وبلا مندوحة ، الوقائع التالية شاهد صدق على ما نذهب إليه :

محامية لمدة لا بأس بأتعابها.

كاتبة عمود صحفي بين الجريدة والأخرى.

مسئولة إدارية في هيئة غالبا ما يضيق بها صدر صناع الخيال

كلما صارت " اتحادا " أو " رابطة ".

مناضلة حقوقية ذات عناية فائقة ومركزة على " الالتفات إلى

ألم الآخرين " إذا ما شئنا استعارة بعض من كلام سوزان سونتاغ.

مؤلفة نص مسرحي يتيم رهن البحث الدائب عن ركح، وما تماثل بعد من " لوثة التفاح " .

أو حتى رئيسة تحرير لمجلة نسوانية جدا تدعى " تايكي " كما هو شأنها عاليا في غضون السنوات الأخيرة.

لكن ، وجهها الجوهري والثابت لايمكن القبض على ملامحه إلا

عندما تضبط متلبسة باقتراف جنس القصة ، الذي بمستطاعه

أن يكون ذلك الموشور الضوئي المظهر لقسط غير يسير من

ألوان طيف شمائلها الروحية والمزاجية كذات مبدعة تنطوي

على ما يلزم من الدهاء والاعتداد والضجر والفضول والعصابية

والشراسة والحماقة والارتياب والقلق والحدة وانعدام اللياقة

-إذا  اقتضى المقام – لجعل جمرة الحكي قيد التوهج المستدام.

وصاحبة أضمومة " مزيدا من الوحشة " (2006) ، حينما ترتكب القصة بالمعنى التطهيري المضاد للفعل والموائم للحرفة

الأدبية، لاتسند ظهر سردها إلى جدار أدنى حصافة أكاديمية أو

وجاهة تنظيرية ، كما أنها لاتسور خطابها الإبداعي بأي نزعة

تبشيرية أو نعرة دعوية وهما معا – كما لايخفى عن نباهتكم –

من الفضائل الشائعة بامتياز لدى الأبواق. بل زادها فحسب

في هذه الجريمة البيضاء موهبة شاهقة ، ويأس ممتاز ، ثم

إرادة صلبة على ممارسة التمارين القصوى للاستغناء.

الموهبة ، وهي " واثقة الخطى تمشي ملكا " ، أماط عنها

النقاب ، في مستهل الحبو ، محرض من طراز مؤنس الرزاز بما

استطاع إلى الحدب والتشجيع سبيلا ، ثم فيما بعد معلم من

عيار جبرا إبراهيم جبرا بالتواضع كله والتحليل أعمقه عندما قدم

مجموعتها البكر " نحو الوراء "(1991) تقديما مفحما بوأها

مكانة سامقة بين أترابها و صويحباتها من اللائي أدركتهن حرفة شهرزاد خلال تسعينيات القرن المنصرم أمثال: جميلة عمايرة وسامية عطعوط وسميحة خريس وجواهر الرفايعة و أميمة الناصر وحزامة حبايب وسحر ملص وزليخة أبو ريشة وتريز حداد و ومريم عويس.

بينما اليأس فقد كان مقدرا له أن يحدث برمته "قبل الأوان بكثير"

(1999) فرط " اعتياد الأشياء "(1994) ، داخل ردهات الرأس وأقبية الروح ، أبعد وأبعد ، أعنف وأنكى ، حتى أوشك أن يطاول " نجوما لاتسرد الحكايات "(2001).

أما الاستغناء، فيبزغ برأسه حينما صرخت الكاتبة ذات حوار:

" أنا حرة في مسالة الكتابة ، ولا أكتب لأجل الاستمرار " ، ثم غبّ شهادة حارقة وصريحة حد مصافحة العظم : " يعتريني الشك في مقدرتي أو حتى رغبتي في كتابة المزيد من القصص ، وأحيانا أتعامل بحس ساخر مع مايعتبره الآخرون انجازا.. أحس الآن أن كل قصة أكتبها سوف تسلبني حفنة من روحي. ويخيل إلي أن ثمة قصة قاضية سوف تركلني بعيدا عن حلبة الحياة ، وترسلني مباشرة إلى حتفي. لذلك أخاف التورط تماما في فعل الكتابة ".

من دون ريب ، تصريح من هذا القبيل هو من الشيم المركزية لبسمة النسور التي عودتنا أن تعيش برحابة وتبدع بجسارة ، لأنها كاتبة وجدت لتماطل ، لتخاتل ، لتضلل ، ولتحذف باستمرار الأثر المؤدي إليها. كاتبة لايجوز رجمها بالغيب لأنها تحنث بالهوية وتتحصن من كيد التحدد بسرعة المحو ، وخفة التلاشي ، ورشاقة الاندثار ، التي هي من المواهب المضمونة للرمل. كاتبة من اللواتي نتعلم على أياديهن البيضاء – حتى وﺇن كان ذلك بقسوة جميلة – أطروحة الزوال وفن الاجتياز.

لكن ، دعونا " لا نثق في القاص على الإطلاق ، ونثق في القصة فقط " على حد  تعبير الجليل خوليو كورتزار. قصة بسمة النسور سواء تلك " القصيرة " المدبجة بشهامة و كرم الجداول الصغيرة التي تسري في اتجاه النهر الكبير لبوح " تاء التأنيث " المتحركة،

أم  تلك " المقصرة " المصيغة ببراعة ترصيص حدائق المنمنمات اليابانية كمن يعتقل غابة في زجاجة، والتي تعد اليوم -  ضمن

السرود المعمدة ب " مابعد الحداثة " – علامة ساطعة في مفرق القصة العربية المكتوبة بحبر الأظافر الطويلة الملونة. وهي لعمري تستحق عن جدارة فنية لاينالها الباطل هذا الإطراء الحصري الذي رماه بها محفل التلقي وهو يتذوق قطوفها التخييلية بملاعق الإعجاب الكبيرة ، أو مجمع النقد وهو يسلط ماتيسر من الأضواء الكاشفة على خماسيتها السردية المائزة.ليس

فحسب لأنها أخذت على عاتق " لاوعي  نصوصها " مهمة حمل صليب و أعطاب ومسكوت وعقيرة الأخريات من بنات جنسها نكاية وفتا لعضد الوعي الذكوري والأعرابي المأزوم ، الذي

" يقف هناك جامدا في مكان ما من الماضي " كما جاء على لسان إحدى بطلات دوريس ليسينغ في روايتها البديعة " الكراسة الذهبية "، وإنما – أيضا- لأنها استطاعت أن تحفر في لحم الأسلوب الشخصي لتنتج جماليات نوعية فارقة على صعيد شخوصها من الكائنات الجسيمة الذين تربيهم كما تجدر التنشئة على صداقة النكبات والأحزان حد تعرية ثياب الهزيمة فيهم حتى آخر زر في الوجدان ، أو على صعيد لغتها التي تفوض أمرها لل" حركة المستمرة للمجهول في المعني" - والعهدة هنا على هنري ميشونيك-  كما للصمت والاقتضاب على أشدهما حتى لأننا نستشعر الرغبة في الإشفاق على الكلام ، لأنها لغة ماتدربت

يوما على المشي بين القواميس ، بل فقط على التصويب على بقايا البلاغة البائتة ببندقية صيد ، أو على صعيد سخريتها الشديدة

اللهجة التي تهمي على الرؤوس والأفئدة  مثل جوز الهند هازلة أو تراجيدية أو هجائية أو عدمية أو متفكهة في  الموضع واللفظ و المقصد والمقام والموقف ، أو على صعيد بداهة المفارقة التي تلقي بنا في عرض الدهشة الفصيحة كما لو كنا داخل علبة هدايا سينط منها بغتة أرنب نوابض حبكته جيدا أصابع المقلب، أو على صعيد مبدأ التذاوت الذي جعلته مطلبا خاصا وشرعيا لنفي صورة العالم الكبير مقابل توسيع صورة الذات وربح هكتارات فسيحة داخلها للحوار الجواني والتداعي الحر للمشاعر التي طالما كممتها أصابع الفكر الخشن، أو على صعيد إيقاعها الذاتي في التأليف والخلق. هذا الذي نعته ﺇدغار ألان بو ب " الوقع الشعري للحكي "، والذي يحمل بصمتها  وأنفاسها ونبضها وهمسها وارتعاشة روحها ورفة أهدابها عبر ما يستفحل داخل الكلمات والشكل والضمائر والتقطيع على البياض وعلامات الترقيم من حذف أو تكرار أو استبدال أو حشو أو توقف أو وصل أو فصل أو التفاف.

"  أشعر بالذنب ، أريد أن أكتب قصة " : هكذا تكلمت بسمة النسور ذات يوم ، لربما كي تعبر عن سقوطها العمودي والأبدي بين براثن الجنس الأدبي الذي لم يخذل بنات أفكارها قط. ونحن أيضا ، لايسعنا سوى أن نشاطرها الذنب بحذافيره ، لربما لأننا تأخرنا كثيرا في  اكتشاف قارتها السادسة التي لم تسطرها الخرائط بعد. أريد أن أقول:  في المواظبة على قراءة كاتبة استثنائية، ستتطلب منا من الآن فصاعدا أن نعامل منجزها القصصي الثر والفاخر معاملة استثنائية.

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité