Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
4 juillet 2008

البنية السردية المتراكبة

Zaid_KHADDACH

"خذيني إلى موتي"

1/ من رام الله العصية على الاحتلال جاءت نصوص زياد خداش "خذيني على موتي"، نصوص ذكية تحكي عن الواقع لكن دون ضجيج الكتابة المؤدلجة، وتحكي عن الكتابة في مواجهة التحولات النصية والنظرية، واختلاف المتلقين، وهي أيضا نصوص تحكي عن الحياة، وعن العلاقات الإنسانية العاطفية. لهذا تعتبر نصوص زياد خداش ذكية ومنخرطة في السياق الفكري والأدبي والاجتماعي المحلي، تتكلم عن الحصار والدبابة والرصاصة إلى جانب الحديث عن الهاتف المحمول (الخلوي) وعن الحب، وعن المرأة، وعن التعليم (التدريس)، وعن الأسرار الخاصة التي تحتمي بطبقات الذاكرة الصلبة العصية على النسيان.

ونصوص زياد خداش في مجموعته "خذيني إلى موتي"، وهو عنوان أحد نصوص المجموعة، تشتغل على تركيبة من الثنائيات الضدية والمتناضة أحيانا، منحت النصوص طابعا أسطوريا، وهي نصوص:

·        تحكي الحياة في الضيق.

·        تحكي (تحيي) المكان في الذاكرة.

·        تحكي البقاء على الأمل ضد اليأس.

·        تحكي الضيق عبر الكتابة.

·        تحكي عنف الكتابة في سعة ويسر الحكاية.

·        تحكي الواقع في الحلم.

·        تحكي الوجود في الفوضى والجنون والهروب.

·        تحكي اليقين بلسان اللا يقين.

2/ "شتاء في قميص رجل": نص يفتتح تحت سلطة اللايقين :" مكان غريب، كأني أعرفه، هب أعرفه؟" ص (5). هكذا تواجه الذاكرة يقينها. كل المؤشرات تدل على اليقين لكن الذات ترفض الاعتراف إلا باللا يقين، لأن المكان لم يعد مكان الطفولة (الذاكرة) ذاته مكان الرجولة (العودة/ واقع الحكاية). للعمر دوره في تشويش الذاكرة؟؟؟ وبذكاء يذكر الكاتب سبب التغيير، وسبب التشويش الذي شمل المكان، وبالتالي الذاكرة (الذكريات)، يقول النص:" البيوت طارئة على أطراف هذا المكان، المستوطنة التي على جبل لم تكن موجودة من قبل" ص (5). يقع لفظ "المستوطنة" كالحجر على صفحة الماء الهادئة، فيهزها ويصيبها بالدوار (الدوائر). هكذا تنكشف بنية النص الخارجية من خلال الوقوف على المقومات الداخلية:

·        عودة الشخصية للمكان بعد فترة غياب.

·        تشويش الإحساس بالمكان وغربته وألفته.

·        تصادم الذاكرة (الماضي) بالعين (الحاضر).

·        بروز عنصر التشويش (البيوت الطارئة + المستوطنة).

·        استدعاء الماضي (الذكريات) لمحو الحاضر المشوش (الواقع).

·        انفتاح الحكاية على المستقبل/ الاستمرار (الطالبة).

هذه الخطوات الست تقوم على بنية محكمة، تقول الواقع، وتصف حال الفرد (الشخصية) لكنها لا تغفل عن منطق الإبداع وفنون السرد. وتنكشف البنية على ثنائية ضدية هي "مجابهة اللا يقين باليقين"، و"مجابهة الحقيقة بالممكن". لكن كيف تعاملت الذاكرة مع التشويش الخارجي؟ لقد احتمت بالذات بعد فقدان الثقة في العالم الخارجي. وقد وصف الكاتب هذه الحالة بذكاء أيضا، يقول النص :" كفأر بائس، مطارد ووحيد، فقد الثقة بكل جحور الأرض، وخانته عتمات الزوايا، أندس في شقوق حنيني القديم، أتسلل إلى جرحي في عز الضجة..."  (7).

"شتاء في قميص رجل" نص منفتح على واجهات متعددة: الكتابة الحديثة (النص)، والوصف الدقيق (التشبيه)، والوصف المسرود غير المتوقف، والجملة السردية القصيرة المكتفية بذاتها المتقشفة، والمكثفة. أما على مستوى المضمون فإنه نص منفتح على الحكاية والذاكرة والواقع.

3/ "بعينين باردتين": ما الحكاية؟ ما الواقع؟ أيهما الأصل وأيهما الفرع؟

بهذا التداخل، وبالوقوف على الحدود بين اليقين واللا يقين يصوغ الكاتب حكايته، وعينه على الواقع. هذه الثنائية جعلت النص ينهض على بنيتين متوازيتين: بنية ظاهرة (الحكاية) بين الرجل والمرأة والغرفة، وبنية خلفية (الواقع في الحكاية وفي المرجع والسياق السردي) الليل والدبابات والرصاص والتسلل، والضيق.

تقنية التوازي البنيوي (التوازي بين بنيتين) تشمل جل نصوص المجموعة، ومن خلالها يخلق الكاتب التوتر الذي تنبني عليه لحظة الإبداع، ومتعة الابتكار. ومن صوره في هذا النص تناوب صوتين على السرد: صوت السارد الرجل، وصوت السارد المرأة.

لا يأتي - طبعا – النص بهذا الوضوح بل يعمد الكاتب إلى تشويش الحكاية وإخراجها من الانسجام والتناسب والتواتر والاتساق، لتناسب العالم غير المتسق، ولا المنسجم. فهل يمكن ممارسة الحب تحت وابل الرصاص، وحصار الدبابات؟ هذه المفارقة تجعل القارئ يقبل بتعايش النقيضين: الحب والحرب، الحرية والحصار.

هكذا هي نصوص "خذيني إلى موتي"، بنية حكائية مؤثرة ومنسجمة مع ذاتها ، يكون فيها الكاتب واعيا بفعل الكتابة، وبشروط الإبداع الأدبي، ومنطق التخييل. وبنية مرجعية يغذيها السياق، ويؤشر عليها المعجم بألفاظه المبثوثة في السياق. ويحضر الخارج وواقع الأيام التي تأبى اللغة إلا أن تروضه وتصيره حكاية تسرد، وواقعة تشهد على الحال بعد تبدل الأحوال: أحوال المكان وأحوال الشخصية القصصية، وأحوال الزمان، وأحوال السرد ذاته.

4/ "جنون القمر": تتجاذبه ثلاثة أزمنة: الطفولة في حوار الفتاة/ الطفلة وأمها، وهو سرد مسترجع من الذاكرة، والحاضر الحالم وسط الضيق والحصار واجتياح الدبابات، ثم الملاذ والمآل عندما تصعد الروح إلى المطلق وتتلاشى لتسمو على كل الخرائب والمتناقضات، ولتخل من الضيق وتسبح في الأبدية البيضاء، بقول النص:" ...تسقط الشابة على الأرض، تنزف ولاء وهياما وفوضى، رأت نفسها تصعد إليه ممددة على خاصرة كائن ضوئي ساطع، مددها على أريكة بجانبه، قبلها بين عينيها، نثر فوقها ست نجمات مخبآت في كمه بينما انحنت هي لتلقي نظرة أخيرة وحزينة على سطح بيت صار أنقاضا". (26).

لكن نص "جنون القمر" يمنح الدارس فرصة اكتشاف الطريقة التركيبية التي ينشئ بها الكاتب زياد خداش صوره السردية، ولوحاته ومتوالياته السردية التي تقول كل شيء، وتختزل كل الأحاسيس القوية، وتمتص في الآن ذاته ضجيج الخارج وعنف اللحظة. وفي المجتزإ الذي سنودره، يصف ويروي السارد في تداخل وتناوب، أي تبادل المواقع السردية وترادفها، ثلاث مستويات في متوالية سردية واحدة:

·        مشهد الحب (المهيمنة).

·        زحف الدبابات.

·        معتنقة الموت (الصعود).

يقول النص :" ...الدبابة تقترب من بيتها، شاب خائف يختبئ خلف نافذتها، نافذتها المخطوفة المضاءة بشكل جيد، الشاب يلهث وهي لا تسمع أنفاسه، في الآن غريقة أنفاسها وحشرجات ستارتها، الدبابة خلف البيت والشاب يتكور بجسد حزين وهزيمة منتظرة خلف نافذتها بالضبط، لا أحد يسمع أحدا، كل دائخ بسجنه ومصيره، يدان لا تعرفهما حول السرة، الدبابة حول بيتها، الاب حول موته، تتحرك اليدان الغريبتان بانخطاف مروع تجاه الشق المختبئ البنفسجي، ذلك الإله المخذول المعذب منذ حضارات عديدة، بطرف أصبع واحد يتحرك سكرانا ومذعورا رأس المهرة المبلولة، ينفجر صياح ما، ويطلق الشاب شهقته الأولى مستعدا للذهاب إلى جنته الموعودة، السماء ضوء غامض يلغي الدبابات والطائرات ويخترع سماوات جديدة..." (25).

هذه المتوالية السردية تصف بدقة البنية السردية المتراكبة والمتداخلة التي تصف أكثر من موضوع في لحظة زمنية مركزة واحدة، لا ينتفي فيها التسلسل الزمني وحده، بل الوقائع ذاتها تتمركز في لحظة مضغوطة (ممغنطة) كأنها النهاية. إنها متوالية سردية (تتنامى!) أحداثها ووقائعها في نقطة التقاء واحدة متزامنة:

·        قذيفة الدبابة.

·        موت الشاب.

·        موت الفتاة.

·        تهدم البيت.

كأن المتوالية السردية لقطة مشهدية في فيلم. لكن السرد القصصي (اللغة القصصية) يتفوق على السرد السينمائي في القدرة على ضبط اللحظة الزمنية، وفي الانتقال بين المكونات الأساس للمتوالية المشهدية: الشاب والشابة + الدبابة والأنقاض.

ولا يمكن إغفال الطابع المزدوج في بينية هذه المتوالية السردية، من حيث اللغة المحكية:

·        لغة شبقية متوترة (توهم).

·        لغة محكية (تصف المشهد).

5/ تمتاز نصوص زياد خداش القادمة إلينا من رام الله العصية على الاحتلال بالإبداع والإدهاش الجماليين، والقدرة الفائقة على وصف الشخصية القصصية في أعنف حالاتها الحميمة، فتأتي ساخنة لا ورقية باهتة الملامح، أو بلا مشاعر، والقدرة على التحكم في السيرورة الزمنية للأحداث، والقدرة على البناء المتوازي الحضور بين الحكاية كمتخيل وبين الواقع كمادة صلبة وحقيقية. ولنصوص زياد خداش طابع سحري، واقعيتها التي تصف الحصار، والضيق، وقلق الشخصية، وتغير ملامح المكان لا تسقط في الخطابية والمباشرة، والتصوير الفج لتداخل الواقع وتنوعه وكثافته، وقد ساعدها على ذلك البعد الأسطوري التي تستند إليه،والموازة بين لحظات شديدة الخصوصية، ومقابلتها ببعضها لكي تعكس بعضها كالمرآة؛ كما في المتوالية السردية السالفة حيث يعكس الحب صورة الموت: كلاهما صعود شاق لكنه ممتع ويمنح الجسد الخفة التي توازي الروح فيسهل الصعود نحو النهاية (النهاية الصغرى والنهاية الكبرى).

لنصوص زياد خداش القدرة على وصف حالة الاغتراب، والقلق، والهروب عند الشخصية التي يرسمها، وهي شخصية قلقة وتتجه دائما نحو اللا مكان:" ...هي نزيلة فيهمع عشرات النزيلات الضاحكات اللواتي هربن مع الريح إلى المجهول مع انطلاق موسم الهرب" (52). أيضا:" بنهدين هائلين وحرين مخبأين بخبث وإهمال مقصود تحت قميص نوم أزرق بلا أزرار تمشي المرأة الغريبة باتجاه مكان ما..." (43). كذلك:" ...بعينين باردتين، ورغبة كبيرة تتنامى رويدا رويدا بالهرب من كل شيء، كل شيء..." (21)...

ليس الهروب والاغتراب ما يشكل الشخصية القصصية بل هناك أيضا حال من الذعر والقلق والخوف من الكوابيس وهي إمكانية من الإمكانيات التي يصور من خلالها الكاتب أثر الخارج (الضيق والحصار والقلق والرصاص والدبابة والأنقاض) على الشخصية. وخير مثال على ذلك نص "حشرة عمياء يقودها طفل"، والحشرة العمياء هي أبو إلياس الرقيب. لقد حول أبو إلياس حياة الشخصية القصصية جحيما. والنص تصوير إبداعي جميل لحال الاضطراب الناجم عن المراقبة وحصر الحريات.

·        خداش، زياد؛ خذيني إلى موتي. نصوص. دار الماجد. ط 1. 2005م.

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité