Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
4 mai 2009

الشهادة التي قدّمتها الكاتبة (زينب حفني) حول تجربتها الإبداعيّة

في الندوة الدّوليّة

"الرواية العربيّة في مطلع القرن الحادي والعشرين"

تونس 2 مايو 2009

الكتابة.. ملاذي الوحيد

يقول هِرمان هسه " كلُّ التجارب أثبتت أنه لا تُوجد غرفة واحدة في العالم يمكن أن يضمن فيها الإنسان توقه للسكون والنوم الهادئ.. إذن ألا يكون من الأجدر بالمرء أن يكفَّ عن الاختيار كله، وبكل بساطة يُسلّم أمره منذ البداية إلى القدر تاركا الحظ يتحكّم فيه؟! ألا يكون الوضع أكثر ذكاء لو يترك القرار للصدفة العمياء ويأخذ أول غرفة تُعرض عليه؟! إلا أننا نادرا ما نفعل ذلك، فلو كان للذكاء وتجنّب الانفعال أن يحكما تصرفاتنا فكيف سيكون عندها شكل الحياة؟!".

عبارات هٍِرمان هسه جعلتني أتساءل إن كانت الكتابة اختيارا ذاتيّا، أم قدر يقع في طريقنا بالصدفة!! إننا لا نختار أمهاتنا ولا آباءنا ولا نُحدد لحظة ميلادنا، كذلك الكتابة هي قدر حتمي يستسلم لها الكاتب بطوع إرادته، مستعذبا التمرّغ في أحضانها وإن لسعته بلدغاتها القاسية في بعض الأحيان!! كما أن الكتابة تقوم طوال الوقت بمشاغبة صاحبها، وأنا بطبعي أكره الحياة الروتينية وأحبُّ الصخب الذي يُوقد فكري، لذا مهما كانت ردود أفعالي عنيفة تجاه حاجياتي الخاصة إلا أن ذبذباتها تُشعرني بأنني ما زلتُ أحيا، وتتيح لي الفرصة لممارسة آدميتي بكل تناقضاتها، وأنني لستُ مجرد دمية تتراقص بخيوط قدرية لا حيلة لها في التحكّم بخطواتها!

إنني أجد الكتابة مثل النهر الذي ينبع من جهة ليجري في اتجاهات أخرى، لكنه بالتأكيد يروي عطش كل عابر سبيل يمر بشطآنه.

*************

كل رواية بعد أن أفرغ منها تسقط أحداثها مني في قاع النسيان. لا اختلف حينها عن القاتل الذي يختار ضحاياه تحت جنح الظلام، ما أن يقترف جريمته حتّى يغسل يديه وينسى وجوه قتلاه. لكن الفرق بيني وبين القاتل الحقيقي هو أنني أهتك عرض أبطالي على الورق دون أن أترك أدلة دامغة على أرض الواقع تُثبت تورّطي وفداحة فعلتي.

كثيرا ما يعترضني أحدهم ليسألني عن مغزى قصة كتبتها، أو تستوقفني قارئة لتُناقشني في فصل معيّن بإحدى رواياتي. أخجل أن أقول بأنني أنسى ما أخطّه على الورق بمجرد أن أفرغ منها. ولا أدري هل هذه الصفة تختصُّ بي، أم أنها تنطبق على كافة المبدعين!! وهل هذا الأمر يجعلني في موضع لا أحسد عليه أمام جمهور قرّائي خاصة أنّي امرأة مشكوك في نصاعة فكرها؟!

في مرات عديدة حين أكون في حالة انسجام مع ذاتي، أعود إلى كتبي وأتصفّح ما سطّرته في الماضي، ينتابني إحساس بأنني غريبة عن بعض نصوصي كأنني أطلُّ من شرفة منزلي على منظر لم أعتده، وتجتاحني حينها رغبة في التنصّل من هذه النصوص، وتلحُّ عليَّ فكرة جهنمية في أن أذهب إلى المحكمة لأعلن تبرّئي منها بل ومطالبة القاضي بتقييدها ورميها خلف القضبان. لكنني أعود فأطرد هذه الخواطر الخبيثة من رأسي. كيف يمكنني أن أخطو هذه الخطوة القاسية في حق أبنائي الذي أنجبتهم بعد ولادات متعسرة وأشرفتُ على الهلاك بسببها؟! وهل هناك أم تتبرّأ من أبناءها وإن خرجوا عن طوعها أو قصّروا في حقّها، أو تشعر بالسعادة حين تراهم مقيدين بالأغلال لمجرد أنهم لم يعودوا مؤمنين بأفكارها أو أعطوا ظهورهم لمعتقداتها!!

لقد لاحقتني هذه المشاعر فترة من الزمن مع مجموعتي القصصية "نساء عند خط الاستواء" ولا أدري هل هذا يعود لأنني تلقيتُّ وقتها ضربة مؤلمة على رأسي عقابا لي على كتابتها، وتعرّضتُ لسلسلة من الإهانات بسببها، أم لأنني كتبتها في مرحلة سابقة من عمري!!

بلا شك أن كثير من مرئياتنا في الحياة تتغيّر مع تزاحم التجارب في جعبتنا، ومعرفتنا العميقة بالأشياء والناس، لكنني ما زلتُ حريصة على أن لا تفلت خيوط طفولتي من بين يديَّ وتضيع مني في زحام الأيام، فهي التي تجعلني أكتب بعفوية صادقة وبقلب متشبّث بالدنيا.

***************

عندما أكتبُ رواية، ترتسم في مخيلتي مجموعة من الناس، فيهم من يُلاحقني وفيهم من ألاحقهم، تماما كما يحدث في تفاصيل حياتنا اليوميّة. فهناك أشخاص يُثيرون إعجابنا ويلفتون انتباهنا منذ الوهلة الأولى، فنلاحقهم بنداءات أعيننا حينا، وبسكب كلمات الإطراء في آذانهم حينا آخر، حتّى يقعوا في مصيدتنا وينساقون خلفنا. وهناك أشخاص نلتقي بهم كل يوم، مع هذا لا يعلقون في ذاكرتنا، ولا يُحركون ذرة في وجداننا، لكنهم مع طول ملاحقتهم لنا يتسلطون على أفكارنا ويرغموننا على أن نضع أسماءهم في قائمة أصحابنا، لكننا نتحيّن الفرصة للانقضاض عليهم وإزاحتهم عن طريقنا.

هذا ما تفعله معي شخوص رواياتي. وأتذكّر بأنني عندما كتبتُ روايتي "ملامح" ظلّت ثريا بطلة الرواية تُلاحقني في يقظتي ومنامي، حتّى ضقتُ ذرعا بمشاغباتها، ومللتُ من مطاردتها لي، فأرديتها قتيلة دون أن ترجف جفوني على موتها أو أحزن على فراقها، مطمئنة بأنّي سأفلت من العقاب، فليس هناك قانون موثّق يُحاسبني على جريمتي الوحشية!!

***************

هناك دوما صدام بيني وبين مجتمعي بسبب حرصي على أن أحسر الغطاء عن وجوه أبطالي وأدعهم يُمارسون حياتهم بالطريقة التي يرغبونها، مبينّة إنسانيتهم وشبقهم وجنونهم، وهو ما يجعل الرواية مجموعة من حيوات حيّة بتسلل أنين أبطالها من بين الصفحات وهو عنصر هام في نجاح رواياتي. كما أن عنصر آخر ساهم في نجاحها يكمن في قدرتي على خلق لغة للحوار تتناسب مع كل بطل من أبطال رواياتي. فلا يمكن أن أجعل امرأة عاهرة تتحدّث بلغة راقية وهي تعيش في بيئة منحطة. ولا يمكن أن أجعل رجلا فاسق يتحدّث بلغة محترمة وهو لا يعرف أبجدياتها.

صحيح أن هذا الحرص جعلني في طوال الوقت في موضع اتهام، وفي حالة صدام دائم مع شرائح معينة داخل مجتمعي، على اعتبار أنني أخدش حيائي بكتابة ما لا يصحُّ كتابته‘ إلا أنني لم أعبأ يوما بالتربيت على كتف أحد لأنال الأوسمة، بل كل همّي منحصر في أن أكون صادقة النية مع قلمي أولا، ومع شخوص رواياتي ثانيا بتحريرهم من آفة الازدواجية الشائعة في تربة مجتمعي، وأدعهم يعيشون بالطريقة التي يرغبونها.

**************

دوما أضع يدي على قلبي مع كل رواية أنتهي منها، ويُحاصرني القلق والتوتّر، متسائلة إن كانت ستحقق مبيعات عالية؟! لكنني خرجتُ مؤخرا بقناعة تامة بأن قلقي سيدمرني وسيقودني دون أن أدري إلى طريق لا أعلم عواقبه، فقررت أن الجم هذا التوتر وان أتعامل مع نصي كما أتعامل مع حبيب خذلني بإزالة اسمه من ساحة تفكيري. أو كما يتصرّف الغريب عندما تعترضه صخرة ضخمة فيزيحها عن طريقه بإلقائها من قمة جبل شاهق. كذلك غدوت أوقن بأن عالم الأدب يغصُّ بالكثير من الروائيين السيئين، وأن قوائم الكتب الأكثر مبيعا لم تعد المعيار الحقيقي لتقييم جودة رواية عن أخرى، في عالم انتقلت إليه عدوى الفساد السياسي، وصارت العلاقات الخاصة وشللية الصحافة تُطبل لرواية ركيكة في أسلوبها وضعيفة في بنائها الفني. إضافة إلى الدور الجهنمي الذي تلعبه دور النشر باستخدام أساليبها وقوانينها الخاصة بها التي تجعلها قادرة على رفع نسبة توزيع كتاب محبب لقلبها!!

***************

هناك من النّقاد العرب من يُسخّرون نقدهم للنيل من النصوص الأدبية، ويستخدمون أقلامهم لتصيّد أخطاء المبدعين ليظهروا مهاراتهم النقدية. ويحصرون حكمهم على مدى خلو النص من العثرات النحوية، وهذا التصرّف فيه شيء من الظلم فهناك روائيين عالميين وروائيين عرب كتبوا روايات غاية في الروعة رغم أن نصوصهم تتخللها أخطاء نحوية!!

إن نجاح الرواية يكمن في جعلها تنبض بالحياة، ومهارتها في إظهار النواحي الأخلاقية واللاأخلاقيّة عند أبطال الرواية. والرواية الناجحة تلك التي تُدغدغ أنفاس القارئ وتُغازله بجرأة بل وتُضاجعه بشبق محموم في سرية تامة إن لزم الأمر.

نجاح الرواية يكمن في قدرتها على إقناع القارئ بسطورها من الغلاف للغلاف، وفي إغرائه لتحثه على اختراقها وتمزيق ردائها الشفاف ليتمتّع بحلاوة سطورها بحرية مطلقة وبعيدا عن رقابة المجتمع. لهذا ارتميت في أحضان الكتابة، ولهذا اعتبرها ملاذي الوحيد.

****************

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité