Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
23 mai 2010

حوار مع القاص المغربي مصطفى يعلى

عبدالله المتقي 11  مايو 2010

حوار مع القاص المغربي مصطفى يعلى

مصطفى يعلى :إنسان بسيط، وكاتب مغربي من طراز خاص ، ولد مع نهاية الحرب العالمية الساخنة وانطلاق الحرب العالمية
الباردة ، هو مثل باقي جيله نتاج لهاتين الحربين المدمرتين ، قضى عمره ومازال ، مهووسا بالكلمة قراءة وكتابة وتدريسا،ملأت القصة القصيرة لديه فراغا داخليا نفسيا ، في مرحلة صعبة من تاريخ المغرب،ماكان له أن يتحمل توتراتها دون تنفيس ومغالبة وتحسس لنبضها.
ففضلا عن مجاميعه القصصية الأربع ( ” أنياب طويلة في وجه المدينة “-”دائرة الكسوف”-”لحظة الصفر”-”شرخ كالعنكبوت “)،ورسالته الرائدة حول ” ظاهرة المحلية في الفن القصصي بالمغرب ” ، و”السرد ذاكرة “، يوالي توسيع البحث وتعميقه في قضايا القصص الشعبي الوطني والعربي..
التقيناه فكان هذا الحوار::

الزمن المغربي الراهن ،فإن أقل ما يمكن أن يقال في حقه كونه ( زمن المتاهة)

القنيطرة : عبد الله المتقي

بماذا تطالب القصة القصيرة لحظة ممارستها، هل تقول الحقيقة، تفضح المسكوت عنه، ماذا تنتظر منها بالضبط؟
في الواقع، لم يكن يخطر ببالي خلال كتابة القصة القصيرة سوى كتابة قصة قصيرة. أي أن تجسد ما كان يسكنني من انفعال تجاه حدث أو موقف ما، بطريقة سردية تحقق شروطا فنية تصنع نصا أدبيا معينا يمكن وصفه بأنه (قصة قصيرة). فما كان يشغلني أولويا، هو نشوى التقاط حدث ساخن، ومحاولة إخراجه من واقعه العيني، ثم وضعه على محك القص.
ونظرا لكثافة القصة القصيرة وزخم عوالمها، تتحقق فيها كل الأهداف الواردة في سؤالك. فالقصة القصيرة، كما تعلم أنت أيضا بصفتك قصاصا ماهرا وموهوبا، عالم موشوري يحتضن الحقائق ويفضح المسكوت عنه من طابوات وممارسات سلبية، ويرصد التصدعات، ويشخص المعاناة، ويجسد التوترات والأزمات الذاتية والموضوعية إلخ… ومن هنا تأتي بعض صعوبات معالجتها، ومغامرة نقدها.

لو أتيح لك أن تستأنف حياتك القصصية من جديد، فعلى أي نحو ستمضي فيها / وبها ؟
هناك عوالم وقضايا ومواقف وانفعالات بسعة الحياة، لا يتسع لها عمر الفرد البيولوجي ولا الإبداعي للتعبير عنها، خصوصا وأن الحياة أصبحت تنتجها وتعيد إنتاج بعضها في إصرار، داخل عالم موبوء يشهد تهاوي القيم النبيلة بسرعة قياسية، مقابل صعود أضدادها عبر روافع تردي الواقع المأساوي وإمعانه في الانحطاط على جميع المستويات. فلو أتيحت الفرصة ثانية، وسمحت ظروف الحياة المعقدة التي تطرح شتى المعوقات وإكراهات المنع من الاستغراق في الكتابة، لكان من الممكن أن تجسد القصة القصيرة لدي بعضا من ذلك، بوسائل خطابها المتطورة الخاصة. لكن الأمل معقود على الكتابات الشابة، ومنوط بها التعبير عن ذلك، وتطوير أدوات القص لامتلاك القدرة على النفاذ إلى عمق الأشياء.
● “
أنياب طويلة في وجه المدينة”، هو عنوان مجموعتك الأولى، ترى ما سر هذا العنف في باب الدخول ؟
هذا السؤال في عمقه ذو بعد تاريخي، لذا وجب أن يوجه إلى المرحلة التي كتبت فيها نصوص المجموعة (أنياب طويلة في وجه المدينة) بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أي المرحلة التي أطلق عليها مؤخرا (سنوات الجمر) وما أشبه. إن طبيعتها كانت معجونة بالعنف والرعب والإحباط والقلق. فما عسى إذن أن يكتب شاب ناشئ يمتلئ طموحا وغيرة وحماسا، يجد نفسه في خضم هذا المخاض، ويعايش مختلف مظاهر كل ذلك العنف الذي أحدث خللا لدى جيل بأكمله، طرفا معادلته المتعاكسان هما طموح الاستقلال وآفاقه والإحباط الطبقي وقمعه؟. تصدع وأي تصدع أصاب المجتمع المغربي غداة الاستقلال، فشرخ نسقه وما عرف به من تماسك وتضامن انفرطا مع دخول المغرب في النفق المظلم.
ولعل ملاحظة ما غلف عنوان ( أنياب طويلة في وجه المدينة ) من عنف، تشير إلى أن هذا الأخير قد انبثق من واقع ناجز مرتبط عضويا بطبيعة المرحلة، وبذلك تكون تلك الصياغة ليست عنوانا لقصة واحدة محددة من المجموعة، بل إنها ذات دلالة على عوالم كل قصص المجموعة، إن لم تكن عنوانا لواقع شامل فرض فرضا على الوطن. وبهذا الفهم تكون قصصي وقصص جيلي أسيرة التجربة الشاملة للمرحلة. فالجميع كان يغمس ريشته في محبرة واحدة إلا أنها محبرة بألوان الطيف. ولك أن تتذكر في هذا السياق عناوين مجموعات قصصية معروفة محايثة مرحليا، من مثل ( بيوت واطئة ) لمحمد زفزاف، و(مجنون الورد) لمحمد شكري، و(حزن في الرأس وفي القلب) لإدريس الخوري و(العنف في الدماغ) و(سفر الإنشاء والتدمير) لأحمد المديني، و(ليسقط الصمت) لخناثة بنونة، و(ريح السموم) لرفيقة الطبيعة، و(سفر في أودية ملغومة) لمحمد غرناط، و(تمزقات) لمحمد صوف؛ بل وكذا عناوين قصص مفردة كـ (الظلام والأحزان) لمحمد السرغيني، و(الموت وبقول الأموات) لمحمد شكري، و(درهم السل) لجارك أحمد، و(السرطان) و(حرف F الملعون) ،لإدريس الخوري، و(الرقاص الأسود) لأحمد عبد السلام البقالي، و(أحزان النساء) و(الموت وما بعده) لمحمد زفزاف، و(المثلث المكسور) لمحمد بيدي، و(ألم الاحتضار) لمحمد أنقار، و(الفرار) لعبد الجبار السحيمي، و(أحلام الخريف الميتة) لمبارك الدريبي، و(الجثث والرائحة) لمحمد بعير قنديل، و(دم ودخان) لمبارك ربيع، و(شيء من الخنق الذاتي) لمصطفى المسناوي، و(حالات الارتداد والمسخ) لأبي يوسف طه، و(موت بلواز) لإدريس الصغير، و(الاختناق والرمي بالحجارة في شارع مكتظ) لبوشتى حاضي، و(الدخول في دائرة الحمق) لمحمد غرناط، و(يسألونك عن القتل) لأحمد بوزفور، و(صفر على الشمال) لمحمد صوف، و(غابة الدماء) لرفيقة الطبيعة، و(الصمت الممزق) لخناثة بنونة؛ واللائحة طويلة.

مازال الجدل محتدما حول ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، ما تصورك لمستقبلها؟ وكيف يمكن أن تتجه والى أين تسير؟
هذا الجدل سيستمر حادا خلال المستقبل المنظور دون شك، ذلك أن هذا الوليد الجديد أكيد سوف يدخل في صراع مرير بحثا عن إقامته بين السرود المختلفة المعروفة، وفي مقدمتها القصة القصيرة، لكونه أقرب إليها وأكثر التباسا بها، قبل أن تتكرس القصة القصيرة جدا قطبا سرديا مهما، وتأخذ مكانها المرموق كواحدة من أبلغ أدوات التعبير عن العصر. فهي ستفرض ذاتها في النهاية مثلما حدث لأختها الكبرى القصة القصيرة التي فرضت نفسها بين القرنين التاسع عشر والعشرين أمام الرواية التي سبقت إلى احتكار الصدارة منذ استهلال القرن السادس عشر الميلادي، بوصفها إمكانية رائعة وناجعة للتعبير عن تطلعات البورجوازية الصاعدة المتنورة.
إن لدي عددا من الدلائل على هذا التوقع المؤازر للقصة القصيرة جدا، ألخصها كالتالي:
1
ـ ميل طبيعة الراهن الحضاري إلى السرعة والدقة والتكثيف.
2
ـ إن شريحة المبدعين المتحمسة لاحتضان القصة القصيرة جدا هم كما هو ملحوظ فئة الشباب. فهم أصحاب الشأن في الموضوع، وهم الأكثر قدرة على اختيار ما يناسب حياتهم المتسارعة والغاصة بالأحداث والأزمات. ومستقبل الإبداع ممتد أمامهم.
3
ـ إن المفارقة المدهشة، والعمق الكشاف، والرمز النفاذ، والكثافة الخصبة، واللحظة الزمنية البارقة، ودقة التقسيم المدهشة، والطاقة الإيحائية الممتعة، والأساليب الشاعرية الشفافة، وما إلى ذلك من المكونات السردية التي تتمتع بها القصة القصيرة جدا، لتمثل الدعائم القوية لوقوفها على رجليها وتعلم الحبو ثم المشي فالجري.
على أن القصة القصيرة جدا ليست فنا سهلا، يمكن أن يركب موجته كل من استسهل التعامل معه. ففي اعتقادي أن معالجتها أصعب بكثير من القصة القصيرة، لكون المساحة الأفقية والعمودية المتوفرة لها أكثر ضيقا وكثافة مما توفره القصة القصيرة، وكأن الأمر أصبح يتعلق برؤوس قصص، إذ عليك عبر أسطر قليلة أو عبارات محدودة أن تفجر أكوانا وعوالم عجائبية غاية في الروعة والإدهاش تسطع مثل البرق الخاطف، فتحدث أثرها السريع الشيق في المتلقي، مستفيدة من بناء القصة القصيرة ورمزية الحكاية الخرافية وشفافية الشعر وتركيز المثل الشعبي وإيجاز الأسلوب البرقي وإحكام المثل. والمثال البليغ الذي يحضرني هنا هو قصة الديناصور للكاتب الغواتيمالي أوغسطو مونتيروسو المكونة من جملة واحدة (عندما استيقظ كان الديناصور لا يزال هناك). أليست هذه رواية كافكاوية مكتملة مضغوطة ومعلبة، فكم هو حجم الأسئلة التي يلقيها المتلقي عند الانتهاء من قراءة هذا النموذج، وبالضبط حول مراحله الكابوسية الثلاث : قبل نوم البطل، وخلال نومه، ولدى يقظته؟.
باختصار شديد، إن القصة القصيرة جدا تدهش ببلاغتها وليس بثرثرتها. وكما أشار الكاتب البويرتوريكي أنخيل ملدوندو أسيفيدو، ينبغي لكاتبها أن يفرق بين القصة القصيرة جدا والمقال القصير جدا.

كيف تعاملت مع المرأة في تجربتك القصصية؟ وما هي مساحة حضورها في قصصك؟
عندما أراجع مسيرتي الإبداعية في حقل القصة القصيرة، أجد أنني تعاملت مع الجنسين ليس باعتبارهما كائنين نوعيين مختلفين، بل باعتبارهما شخوصا مجسدة لمضامين طبقية. فقد تتبوأ المرأة رأس السلم الاجتماعي، وتمارس أشنع مظاهر الاستبداد والتسلط كما الرجل أو أكثر، مثلما هو الأمر في ثلاثية (فصول من الزمن الآسن) بمجموعة ( أنياب طويلة في وجه المدينة ). وقد تتنزل إلى قاع السلم حيث الاستنزاف والاضطهاد والضياع، كما هي بطلة قصة ( المرأة التي قررت أن تهاجر ) من مجموعتي الأخيرة ( شرخ كالعنكبوت ). وكذلك الأمر بالنسبة للرجل، فهو تارة مرفه مستهتر متهور وظالم، وأخرى يكون مأزوما يعاني من الظلم والإحباط والضياع. والموقف المعالج في القصة هو الذي يرشح الرجل أو المرأة لتجسيد الحدث بكيفية أو أخرى.
من جهة ثانية، جاء حضور المرأة في قصصي نابعا من طبيعة المضامين والمواقف، وليس مقحما أو متعمدا لمجرد استحضار المرأة كامرأة في التجربة القصصية. ومن هنا كثيرا ما خلت بعض قصصي من وجودها قطعا، إذ لم تكن التجربة القصصية تستدعي أي حضور لها في عالم النص. والعكس صحيح، حيث احتلت المرأة في قصص أخرى كل مساحتها وملأت معظم فضائها، لكون الموقف أكد ترشيحها هي ذاتها لهذا الدور المهيمن في جسد القصة وليس الرجل الذي قد يحضر بصورة هامشية.

هناك توهج قصصي بالمغرب، مجاميع، ملتقيات، نواد، جمعيات، كيف تقرأ هذا التوهج؟
لعل هذا التوهج القصصي الذي أشع في سماء الساحة الأدبية بالمغرب، دليل آخر على خطإ من سارعوا إلى التنبؤ بموت القصة القصيرة، أمام اكتساح تسونامي الرواية الذي هيمن على الحقل الإبداعي عندنا وعند غيرنا لسنوات، إن في العالم العربي وإن في الغرب. والحال أن النوع الإبداعي السردي الملائم لروح العصر هو القصة القصيرة بما فيها ربيبتها القصة القصيرة جدا تحديدا، لنفس الأسباب التي سبق أن عددتها عن مستقبل هذه الأخيرة. وفي اعتقادي أن هذا التوهج قطعا هو توهج إيجابي، يصب في استمرارية هذا الجنس الأدبي الفتي، ويحقق تراكما مهما نصوصا ومجاميع، ويحافظ على ديمومة ازدهاره وتألقه. بيد أنه لابد من الإشارة في هذا الصدد، إلى أن المطلوب في هذه الموجة أو الصحوة المشجعة توفر حس المسؤولية فيمن يركبها، حتى تتم الإضافة المتوخاة والتطور المحسوب لمسار القصة القصيرة، وإلا فإن كثيرا مما ينشر باسم قصة قصيرة لا علاقة له بالقصة القصيرة، وإنما هو في أحسن الأحوال تمارين سردية ابتدائية أو كتابة سردية عمياء. فمن الواجب ألا يقترب الأدعياء والطفيليون عديمو الموهبة من محراب القصة القصيرة، حتى لا يدنسوها ويعرقلوا مسارها الجمالي المتطور.

● “دائرة الكسوف” ،”لحظة الصفر”،”شرخ كالعنكبوت ” ،عناوين تدهش كما تفتح شهية التلقي ، فمن أين يأتي عناوينك هذا الإدهاش؟
ربما حصل ذلك لكون عناوين المجموعات هي عناوين تركيبية مستخلصة من رحم النصوص القصصية. ذلك أن هناك عاملين جذريين يتحكمان في اختيار عناوين قصصي.
أولهما : الحرص الشديد على التحام العناوين بنصوصها على شكل استباق مشحون إغواء للمتلقي حتى يقبل على النص قراءة وتذوقا، بحيث تنطلق خيوطها من كل جزئيات الصياغة في العنوان نحو كل النص، وترتد كل خيوط النص إلى العنوان بنوع من المراوحة الملتحمة.
وثانيهما : عدم التسرع في وضع صياغة العنوان. إذ يحتاج الأمر إلى وقت طويل تتم فيه عملية معالجة الصياغة بالحذف والإضافة والتغيير والاستبدال والتنقيل إلخ.. على ضوء العامل الأول السابق، إضافة إلى تحكيم الذوق والإيقاع والأساس الشعري ودقة التقسيم، قبل أن يقع الاستقرار على الاختيار النهائي للصياغة المفضلة للعنوان.
وبذلك يصير العنوان كما لو كان قصة قصيرة جدا مكونة من كلمة أو كلمتين أو ثلاث.. على شاكلة قصة الديناصور المنوه بها آنفا.

أنت مقل قصصيا، ولكنك ” حرايفي” / صنايعي، مارأيك؟
لم أكن مقلا بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كنت في زهرة العمر، والمسؤوليات محدودة، إن على مستوى العمل بالتعليم الثانوي أو على المستوى الأسري. لكن بعد أن تعددت المسؤوليات وتشابكت في العمل الجامعي والأسرة والحياة، انتفى التركيز والاستغراق فقط في عالم الإبداع، ذلك أن اهتماماتي قد توزعت بين البحث والدرس الجامعيين، والحاجيات العائلية اليومية، والكتابة الإبداعية. دون أن أنسى عامل السن، فلم يعد الأمر متعلقا بمحاولة حفر اسم كاتب ناشئ في الساحة الأدبية. بل أصبحت التجربة القصصية تساير طبيعة المرحلة العمرية الناضجة، حيث لا تسرع ولا جري وراء شهرة موهومة. وبذلك أصبحت الكتابة الإبداعية نوعا من تحصيل التوازن النفسي. فلم أعد أكتب قصة إلا إذا هزني حدث أو موقف ما، وانفعلت به إلى النسغ، وسكنني مدة قد تطول غالبا لتتيح للتجربة أن تنكتب ببطء في الذاكرة قبل أن تصب على الورق أخيرا.
أما ما لاحظته من حرفية، فلعله ناتج عن كوني كنت دائما أعتقد أن الكتابة الإبداعية ليست موهبة فحسب، ولا هي محض دراسة لتقنيات القص لا غير، بل إن ضرورة الجمع بين الجانبين أمر حتمي. وهنا تحضرني هذه القولة لتوماس ي. بيرنز في معرض حديثه عن عناصر الأقصوصة : إن الكاتب (( ليس الخبير الذي يعرض مجوهراته، إنما هو رجل الصنعة الذي يصقل حجرا صغيرا ليكون صلدا كافي التألق كريما )).

وصف الشاعر إدريس الملياني جيل السبعينيات ب”جيل المحرقة ” ،فبأي الصفات تصف الزمن المغربي الآن؟
إن وصف الصديق إدريس الملياني لتلك المرحلة، هو توصيف يؤكد ما طرحته عنها من مواصفات خلال جوابي على سؤالك الخامس. أما بالنسبة للزمن المغربي الراهن، فإن أقل ما يمكن أن يقال في حقه كونه ( زمن المتاهة ) ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا بله سياسيا.. فقد اختلطت المفاهيم والقيم والتوجهات، ولم يعد الطريق واضحا كما كان من قبل. انظر إلى الكتابة الإبداعية والفكرية، وإلى نظام التعليم، والعلائق الاجتماعية، والممارسات السياسية وغيرها، فلن تجد وضوحا ولا انسجاما ولا استقرارا، بل هو التخبط والتشظي والإرهاق والاضطراب بين الجهات الأربع بحثا عن السراب.

أصدرت في بحر السنة الحالية ( 2009) كتاب” السرد ذاكرة “، لماذا هذه العودة للذاكرة ؟
من أهم ما يتعلمه الباحث في العمل الجامعي، ألا يحصر نظره إلى الأشياء والظواهر في صورتها الراهنة فقط، بل لابد له من الرجوع إلى الوراء للوقوف على نشأتها وتطورها والقضايا والإشكالات التي سبق أن طرحتها في الماضي، وذلك من أجل فهمها فهما صحيحا ودقيقا توخيا للوصول إلى النتائج الجديدة المضبوطة. وقد حصل معي شيء من هذا. فقد كنت أعتقد في البداية أن القصة القصيرة قد ظهرت في المغرب خلال عقد الستينيات من القرن العشرين، مع عبد الكريم غلاب وأحمد عبد السلام البقالي وعبد المجيد بنجلون وعبد الجبار السحيمي وربيع مبارك ومحمد زفزاف وإدريس الخوري وخناثة بنونة ورفيقة الطبيعة، وغيرهم ممن كانوا يوالون نشر نصوصهم في المنابر الوطنية أو في المجموعات النادرة التي كانت تصدر بين الحين والآخر. وقد زكى هذا الاعتقاد الخاطئ كون بعض من أولئك الكتاب سامحهم الله، كانوا يدلون أحيانا في بعض المناسبات، إما عن جهل أو عن قصد، بتصريحات يدعون فيها أن بداية القصة القصيرة حدثت بالمغرب بداية الستينات، أي منذ بدأوا هم معالجتها!. بيد أنني لما استغرقت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات في تحضير دبلوم الدراسات العليا، حول موضوع ( ظاهرة المحلية في الفن القصصي بالمغرب من أوائل الأربعينيات إلى نهاية الستينيات )، قادني التدقيق والاستقصاء إلى استكشاف العمر الحقيقي وليس الافتراضي المبيت للقصة القصيرة بالمغرب، فهو أطول بكثير، وقد يعود إلى مستهل القرن العشرين لدى بعض الباحثين، وإلى بداية الثلاثينيات لدى البعض الآخر، وإلى مطلع الأربعينيات عند غيرهم، كما تمكنت من الوقوف على كمّ التراكم الفعلي الذي حققه الكتاب المغاربة، حيث تفاجأت بأنه أضخم بكثير مما هو معروف. وهذا التحقق هو ما انعكس على البيبليوغرافيا التي أعددتها سواء عن القصص المغربي المنشور منتفرقا في المنابر الصحفية، أم المركون بين دفتي المجاميع القصصية، وفق ما يتجلى في كتابي ( السرد المغربي 1930 ـ 1980 : بيبليوغرافيا متخصصة ).
وبالعودة إلى سؤالك، يمكنني أن أزعم أن الرجوع إلى ذاكرة القصة المغربية، يصب في هدفين اثنين رئيسين إلى جانب تجاوز بعض اللبس الذي طالها في كثير من قضاياها:
أولهما : خدمة الحقيقة التي تقول بأن التسلسل والاستمرارية شرطان أساسيان في طبيعة الظواهر الأدبية، التي لا تعترف بالحواجز من أي نوع كانت، ولا بحرق المراحل دفعة واحدة، ولا بالولادة القيصرية، ولا بالسكتة القلبية المفاجئة.
وثانيهما : يكمن في الرغبة في تكريس حاجتنا إلى تذكير الأجيال الجديدة ـ في ارتباط بالهدف الأول ـ بمنجز الأجيال السابقة، وضرورة الاستفادة من تجاربهم الرائدة بغض النظر عن نوعيتها، عملا بمبدإ تكامل المعرفة وتوالد الظواهر الأدبية عن طريق التسلسل والإضافات المحسوبة، في سلم تطور محكوم بمستجدات الحياة وصيرورتها.
ولا تنس أن التذكر والتذكير هما من مستلزمات مرحلتي الكهولة والشيخوخة. وأنا قد تجاوزت الستين من العمر، مما يعني أن جذوة ذاكرتي القديمة توجد في ذروة نشاطها.

أنت متخصص في نقد السرد الشعبي ولك دراسات نقدية في هذا المجال ،فما دافعك إلى هذا النقد؟ ما جدواه ؟ وما أثره في إبداعك القصصي؟
إن هنالك عددا من الدوافع حفزتني إلى هذا التخصص، أبرز من بينها:
أولا: هذا التشرب بالحكايات الشعبية منذ الطفولة، حسبما أشرت إليه آنفا خلال الجواب على سؤالك الثاني.
ثانيا: اختيار موضوع القصص الشعبي على المستوى الأكاديمي إشكالية لإعداد أطروحتي لنيل دكتوراه الدولة في الأدب.
ثالثا: إنني نشأت وشببت في عصر الجماهير والتضامن الشعبي، مع المد القومي العربي، واستقلال الأقطار العربية تباعا خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بفضل تضحيات الشعوب، حيث كثر الاهتمام حينها بالجماهير الشعبية وإن بأهداف احتفالية ديماغوجية مبطنة، كشفت زيفها الممارسات السياسية المتبعة أثناء العقود الموالية.
وهكذا حصل من ناحيتي الاهتمام بحقل من حقول ثقافة الشعب، ومحاولة رد بعض الاعتبار المتواضع لإبداعه، الذي طالما اشتكى من الإقصاء، والإهمال إن لم أقل الاحتقار.
وبالنسبة للجدوى، فإنني مقتنع كل الاقتناع بفائدة ومتعة الإبداع الشعبي، ومقدر له بنفس درجة تقديري للأدب الرسمي. فالأدب سواء كان شعبيا أم رسميا قيمته في ذاته، ويوجد في كل منهما الجميل الرائع والرديء التافه. ولا عجب، فقد قامت كثير من التطبيقات المنهجية الحديثة والمعاصرة لدى مجترحيها على القصص الشعبي أساسا والحكاية العجيبة تخصيصا، قبل أن تتخذ من المتون الأدبية الرسمية حقلا لدراساتها النظرية والتطبيقية، وفق ما نرى عند بروب، وشتراوس، وغريماس وكورتيس، وبريموند، وبتلهايم وغيرهم. ولولا القيمة الجمالية الاعتبارية المضافة لهذا السرد لما اهتم به أحد من أولئك الرواد.
وعطفا على كل هذا، يبدو من الطبيعي أن يتسلل شيء من ذلك الموروث الشعبي إلى قصصي بكيفية أو بأخرى، كما يبدو في بعض قصص مجموعتي (دائرة الكسوف) و(لحظة الصفر) على وجه الخصوص. وإذا تذكرنا أن القصة القصيرة هي سليلة الحكاية الشعبية، سوف ينتفي أي استغراب تجاه ذلك. فقط يجب أن ألح على أن هذا التأثير لا يظهر مباشرة وبصورة مقحمة وذيلية، بل ينصهر في طيات النصوص متحولا إلى مكون بنائي عضوي داخلها. وأكيد أن تأثير القصص الشعبي بسبب غناه وعمق رموزه كان ولا يزال مصدرا مهما لكثير من التجارب الإبداعية العالمية ذات القيمة العالية لدى كبار الكتاب المرموقين من الأجانب والعرب. ويكفي أن أشير إلى رواية (منزل الجميلات النائمات) للكاتب الياباني ياسوناري كواباطا الحاصل على جائزة نوبل سنة 1968، ورواية (مذكرة مومساتي الحزينات) للكاتب الكولومبي المعروف غبرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل أيضا سنة 1982، وكذا في قصته القصيرة (طائرة الجميلة النائمة)، بله رواية (مائة عام من العزلة)، حيث يتحول النوم إلى مكون أساسي في بناء تلك النصوص، استلهاما للحكايتين الشعبيتين المشهورتين (الجميلة النائمة في الغابة) و(البيضاء كالثلج)، الناهضتين جذريا على تيمة النوم الرمزية.

كيف يقيم مصطفى يعلى النقد القصصي بالمغرب ؟
يبدو أن هناك أمرين سلبيين ساهما في عرقلة انطلاق وتطور النقد الأدبي بالمغرب عامة، والنقد السردي بصفة خاصة.
الأمر الأول، اشتد مع سبعينيات القرن الماضي، في فترة حاسمة من تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، ويتعلق بهيمنة النزعة الإيديولوجية الطفولية، مما فسح المجال للزبونية والشللية في التعامل مع النصوص الإبداعية انطلاقا من السؤال: من معنا ومن ليس معنا؟، وليس من قيمتها الجمالية الذاتية. وهو ما تسبب في إحباط أو صمت عدد من الأصوات الواعدة، والنفخ بالمقابل في أسماء أخرى لا موهبة لها. ومن هنا نتوء بعض المعارك التي يمكن تسميتها تجاوزا معارك نقدية، والتي كانت الملاحق الأدبية لبعض الصحف الوطنية مسرحا لها، موغلة فيما هو شخصي بصورة سمجة، في الوقت الذي كان ينبغي أن ينصب النقاش والإثراء على ما هو أدبي ونقدي حقا.
ولا يقل الأمر الثاني سلبية عن الأول، رغم أنه كان ذا صلة بموجة المناهج الغربية الجديدة المشتغلة على السرد أساسا، التي اكتسحت الساحة الأدبية المغربية ابتداء من أواسط السبعينيات، إن على مستوى الكتابة الحرة وإن على مستوى البحث الأكاديمي نظريا وتطبيقيا. وكان من المفروض أن تكون تلك المناهج الرائدة، قد ساهمت في بلورة رؤية نقدية متسلحة بالنظرة العلمية الموضوعية، لكن الأمر لم يكن كذلك في أغلب الأحيان. ذلك أن اللغط الذي ساد النقاشات النظرية والحذلقات التي طبعت المحاولات التطبيقية، في خضم تلك الموجة، لم تسفر عن تحقيق شيء مهم على مستوى الإنجاز، بقدر ما تسببت في حالة استلاب مربك للناقد والباحث والطالب والأستاذ والتلميذ والمتلقي المتابع. إذ تحول الأمر إلى نوع من التعولم والأداء السطحيين المسندين بنجمية موهومة سرعان ما بهتت ثم انطفأت. من غير أن ننسى الإشارة إلى أن الظاهرة قد تحولت لدى بعضهم إلى نوع من الترجمة الصرف، فما كتبوه بأسمائهم لم يكن في حقيقته سوى استنساخ لجهود أسماء لامعة من رواد تلك المناهج أمثال بارت وجنيت وغريماس وتودوروف وأندادهم. على أننا خوفا من التعميم ننوه أيضا ببعض الاستثناءات القليلة الجادة، وخاصة في حقل الجامعة بالنسبة للرسائل والأطاريح التي حققت تراكما ملحوظا خلال الثلاثين سنة الماضية. وإلا فكم هو حجم المنجز الذي استحصلته المكتبة المغربية والعربية خلال العقود الثلاثة الماضية قياسا إلى كل ذلك اللغط.
ويبدو في الأفق أن كتاب ونقاد مطلع الألفية الثالثة، قد أخذوا يتحررون من بعض تلك المسلكيات السلبية، مما يؤشر إلى محاولة التخلص من عثرات الآباء والتطلع نحو ارتياد آفاق خلاقة ومثمرة، من شأنها أن تحقق ما لم يستطعه الآباء الرواد. أقصد اجتراح مدرسية نقدية مغربية حقيقية وصحية ، مستندة إلى نظرية نقدية أصيلة مبتكرة تستفيد من غيرها، ولكنها تسمح بأن نعترف لها بكونها صنع مغربي عربي.
ما مصير القصة القصيرة أمام هذه الثورة المعلوماتية والافتراضية؟
دائما كنت ولا زلت أعتقد أن القصة القصيرة هي النوع الأدبي الأكثر ملاءمة من جنس السرد لعصرنا بامتياز، على اعتبار هذا الأخير المحك الذي تبرز من خلاله قدرتها على استظهار طاقتها البلاغية المتوهجة. وذلك بسبب ما يتصف به هذا العصر من وتيرة السرعة الفائقة، وزخم الأحداث اليومية المتشعبة، ونوعية التقنيات الآلية المتلاحقة الاستحداث في الحياة الجديدة، والقدرة التواصلية الخارقة المنجزة مؤخرا، وغيرها من الظواهر المدهشة التي تسللت إلى حياتنا وصارت جزء من برنامجنا اليومي. إن كل هذه الظواهر تخدم القصة القصيرة وترشحها لاحتلال الصدارة في التعبير عن روح العصر، حيث سيزداد قصرها، وتتضاعف إمكانية التكثيف فيها نظرا لتشعب الحياة، ويتطور معمارها وأدوات التعبير فيها تأثرا بالمنجزات التكنولوجية المتلاحقة، وخاصة في مجال التصوير السردي. مما سيمكنها من تفتيق طاقتها التخييلية بتأثير عجائبية العالم الجديد وغرابته الكامنتين في كثير من الاختراعات المذهلة كما في الأنترنيت مثلا، وتتمكن بالتالي من تجسيد نبضات الواقع الجديد وكشف تناقضاته ومعالجة أزمات الشخصية الإنسانية في عالم رقمي صاخب متوتر وتائه.
وتذكر أن القصة القصيرة الحديثة، قد تصادف تأسيسها في القرن التاسع عشر، مع انتشار الثورة الصناعية. ومنذ ذلك الحين والرهان قائم على دعم هذا النوع السردي الحديث الولادة بوصفه الأداة التعبيرية الأساسية عن العصر الصناعي، والتكنولوجي فيما بعد، مثلما كانت الرواية ملحمة برجوازية تعبر عن حياة وتطلعات البورجوازية خاصة في فترة صعودها، كما ذهب كل من هيجل ولوكاش. علما بأن القصة القصيرة كما يؤكد فرانز أوكونور في كتابه (الصوت المنفرد)، تعتبر فن الجماعة المغمورة، والإنسان الضائع في زحمة الحياة. وضياع الفرد ماديا ونفسيا وروحيا في المرحلة الحضارية المعيشة، يكاد يكون هو القاعدة في عصرنا.

في نهاية هذا الحوار أود أن أسألك : أين أفضت بك غواية الكتابة بعد هذه السنين؟
إلى بحر الكتابة

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité