Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
15 novembre 2021

قراءة نقدية في رواية دينا سليم حنحن/ ما دونه الغبار

محمد معتصم/ سلا- المغرب

 

الرواية العربية والتهجير

 

لعلَّ الرواية العربية المعاصرةَ، أكثر الخطابات الأدبية والإبداعية اليوم، تعبيرا عن حالة العربي المعاصر، وأكثر وصفا الاضطرابات التي يتخبط في خضمها، ويمثلها أشد تمثيلا: التَّهجير القسري أو الهِجرة الطوعية، وفي هذا السياق سأكتب عن رواية جديدة ستصدر قريبا للكاتبة الفلسطينية المقيمة بأستراليا دينا سليم حنحن، تحمل عنوان "ما دونه الغبار".

أهم ما شدني إلى رواية "ما دَوَّنَهُ الغبار" ليس المضمون في حد ذاته على الرغم من أهميته وتأكيده حقيقة ما تناولته روايات فلسطينية كثيرة، ولكن الصيغة التي اختارتها الكاتبة الروائية والإعلامية دينا سليم، والمتمثلة في تخصيص قسم مهم من الرواية لرواية "شهادات" حية على ألسنة شخوص حقيقيين، عاشوا النكبة ويعيشون في شتات العالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، يروون "مشاهداتهم" العينية، و"تجاربهم" الشخصية الحية أيام سقوط مدينة اللد ومدينة الرملة في أيدي عصابات صهيونية عنيفة ومحتالة، وما رافق ذلك من "خيبات" عسكرية و"خيانات" من ذوي القربى، ومن خيانات الدول العظمى والدويلات الضعيفة والدويلات التي كانت تبحث لنفسها عن مكان على هذه الأرض، خدمة لشهوتي السلطة والمال.

فالشهادةُ تدوين اعتراف شخصي، وهي أيضا تأريخُ الشخص للأحداث، ووصفٌ آنيٌّ وعيني، برواية شاهد عيانٍ زَامنَ حضور وقوع الحدث أو الأحداث أو قد يكون مشاركا فاعلا في صناعتها. ورغم أن الذات حاضرة بقوة في الشهادة، كونها مصدر إنتاج الخطاب، إلا أن الحدث يكون متقدما عليها زمنيا، لأنها تدوين لاحقٌ تتمثله لحظة الكتابة والاسترجاع.

ومن ثمة فالشهادة وثيقة شخصية تروي الأحداث من عدة زوايا، منها:

  1. موافقة الرواية الرسمية.
  2. مخالفة الرواية الرسمية.
  3. تكملة نقائص الرواية الرسمية.
  4. إضاءة الرواية الرسمية.
  5. إبراز الأحوال النفسية المصاحبة لوقوع الحدث.
  6. الاكتفاء برواية الحادثة دون البحث عن أسباب وقوعها، أو تبرير وقوعها.
  7. تقف عند التفاصيل الدقيقة التي تهملها الروايات الرسمية.

لذلك فصاحب الشهادة يؤدي وظائف منها، الوظيفة الإعلامية (وظيفة الصحافي الحر)، والوظيفة التأريخية (وظيفة المؤرخ غير الرسمي).

في روايتها "ما دونه الغبار"، تركز دينا سليم وشهادة الشهود على الهدف الأساس من الهجمات العنيفة على المواطنين مقيمين وأهل البلد، مسلمين ومسيحيين ويهودا استقروا قبل وضع اليد على فلسطين بعد خروج المستعمر البريطاني، لقد كان الهدف الأساس هو إفراغ المكان من أهله، إجلاؤهم بأية طريقة، سواء بالقتل (التصفية الجسدية) أو إبعادهم إلى البلدان المجاورة، كالأردن أو لبنان، أو تجميعهم في مناطق محددة، الضفة ورام الله. وهكذا نشأت الدياسبورا (Diaspora) العربية الحديثة والمعاصرة.  

إذن، هكذا ورث العربي الحديث والمعاصر تركة اليهودي الذي احتل أرضه وأخرجه منها أول مرةٍ، فحتى في فترة الاستعمار والحماية ظل العربي الذي ورث الضعف والخنوع جراء العنف والإهمال والتهميش، وفي ظل الصراعات الدامية على السلطة محليا، أي في البلاد العربية، ظل العربيُّ يقاوم من أجل التحرر الفكري والذاتي، ومن أجل تحرير الأرض والممتلكات، لكنه مع الاستيطان، خضع وساهم بدوره في سياسة إفراغ المجال، وتجلية الإنسان من مكان إقامته، وهو ما يسمح للمستوطن، بتأسيس دولة، ليس على الأنقاض، بل بالاستحواذ على الممتلكات، بل على مجموع الحضارة من عمران يمتد في عمق التاريخ، يدون مراحل متعاقبة من التناوب بين القوة والسيادة والاستقرار والضعف الانحطاط، ومن إنتاج ثقافي (اللباس والطعام) وفكري وأدبي عالم وشعبي.

ترسمُ رواية دينا سليم "ما دونه الغبار"، بعين مجهرية هذه الفترة بالذات، فترة التهجير، وتؤكد على أن الترهيب والترويع والتقتيل الذي صاحب سقوط مدينة اللد، وقبلها القدس ومدن أخرى معَيَّنَة، أي مستهدفة مهيَّأٌ لضمها، في المخطط الأولي، كان الهدف منه: التَّهْجِير وإفراغ المكان من الناس، ففي الشهادات وفي المتن السردي تتكرر عبارة باللهجة الدارجة على لسان المستوطنين:" اذهبوا عند عبد الله"، والمقصود هنا الملك عبد الله الأول ملك الأردن.

تنهض محكيات رواية "ما دونه الغبار" على الخلفية التاريخية والسياسية، وهو ما يدل على أن الكاتب الروائي والكاتبة الروائية العربييْن يعيان جيدا أهمية التاريخ والسياسة في مصير الأمة، كما أنهما، عبر ذلك، يخبران القارئ، بأن ما يجري حاليا، ليس وليد الصدفة، لأن الصدفة لا محل لها في التاريخ، بل هو وليد التفاعلات السياسية والاتفاقات السرية ولحظات الضعف والخيبة والخيانة والخذلان، وأن أمل النهوض والتحرر وتحرير الأرض والإنسان، يبدأ من ههنا، من تشريح أسباب السقوط، بمشرط الحقيقة، ومجانبة الزيف، وبدون ذلك فإن نزيف التهجير والتغريب سيظل مسترسلا، وكلما أُفرغ مكان من أهله انتقلت قوى الظلام والنفوس الجشعة للسلطة والتحكم إلى مكان آخر إلى أن يتم إفراغ كل الأمكنة (بلاد العربية) من كل هوية أصيلة.

لقد وجد شخوص رواية دينا سليم الاستقرار في الدول المضيفة، وبدأ كثير منهم حياة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، وكثير منهم عاد لزيارة مدينته الأصل، ولكن بهوية جديدة، رغبةً في التذكُّر وفي لم شمل العائلة، وصلة الرحم.

هل الهجرة هي الحل؟ وهي حل لمن؟ ولماذا؟

لا أطرح هذا الاختيار على المواطن العربي المقهور والأعزل والمستهدف في حياته ووجوده من قومه ومن غيرهم، بل أطرحه على المسؤولين السياسيين الذين بأيديهم السلطة والقرار. إن الإنسان العربي مقهور ويقع بين فكي البقاء في بلده والرحيل عنه، وكل إنسان يحمل في داخله نزعة حب البقاء ومقاومة الفناء، لذلك فإنه سيختار مكرها الرحيل نحو آفاق أرحب، فالوطن حيث الاستقرار والكرامة، وإنْ لم تكن الكرامة، هناك، تامة وشاملة لكل نواحي حياته، ومن سيختار البقاء تحت الجحيم فلأسباب، غالبا، ضعف الحيلة وقلة ذات اليد. وهو ما يفسره الهروب الجماعي المنظم من قبل واجهات دولية خيرية وحقوقية، أو غير المنظم الذي تستفيد منه عصابات التهجير والترحيل من تجار الحروب والأزمات، وهي ظاهرة للأسف الشديد، تاريخية وذات عمق بعيد.

تقوم رواية دينا سليم "ما دونه الغبار" على أربع محكيات متداخلة ومتضافرة:

  1. محكي سيري يتعلق بأسرة رشدي وجميلة، ومن خلاله نتعرف على الجدين، وعلى قيمة الوفاء والصبر والمقاومة في شخص الجدة "جميلة"، المرأة الذكية القوية المكافحة الوفيَّة لذكرى زوجها رشدي، الذي خرج في ذروة الاضطراب وقلاقل الاستيطان، ليختفي فلا يعلم أحد إن مات أو اعتقل أو رُحِّلَ من المرحَّلين. ليظل لغزا وعلامة على مرحلة الفوضى والاضطراب.
  2. محكي مدينة اللد، وهو التاريخ المنسي، أو التاريخ غير الرسمي، الذي جرى على لسان الشخوص سواء خلال المتن السردي أو في "شهادات" الرواة المتدخلين في تدوين الأحداث المتزامنة مع لحظة سقوط المدينة، وشهاداتهم ومروياتهم ذات قيمة كبيرة جدا في كشف الحقائق التي جرت على أرض واقع مدينتي اللد والرملة، وهي تختلف حتما عما تم الاتفاق عليه سرا وفي الغرف المغلقة بين المسؤولين السياسيين (المُفاوضين)، حيث السياسة تعني تبادل المصالح الشخصية والحفاظ على الامتيازات المالية والاجتماعية.
  3. محكي شخصي، وهو مجموع المحكيات التي تضمنتها "شهادات" الشخوص، والتي تتميز بالتطابق، وبالتكرار، تطابق الروايات وبتكرار الحوادث مما يفيد التأكيد. ولا شكَّ أن مرويات الشهادة تضيء عتمة كثير مما حدث ومما كتب حول هذه المرحلة تاريخيا وسياسيا وأدبيا.
  4. محكي الاستيطان، وهو محكي يُستنبط من المحكيات الثلاثة ويكشف وجوها أنتجتها المرحلة/ اللحظة، كالنهب واللصوصية، والاحتيال، ومقابل ذلك، التعاون والتضامن والوحدة بين أفراد الأسرة/العائلة والجيران، إنها تناقضات المرحلة، وتكشف في الوقت ذاته، كيف تحول تآلف وتعايش المسيحيين والمسلمين واليهود إلى خيانة، عندما احتل بعض اليهود بيوت جيرانهم الفلسطينيين، والأخطر كيف تقمص اليهود العرب دور الفلسطيني لتعبيد الطريق نحو دخول وانتشار العصابات اليهودية العنيفة (الهغانا)، بعدما قامت به العصابات ذاتها من تخريب وعنف ضد الجيش الإنجليزي، كما ورد في الرواية، نقلا عن مصدر حكومي بريطاني، تقول الكاتبة:" وصلت سرا أفواجٌ من اليهود النازحين إلى الموانئ الرئيسية في فلسطين، في المقابل، ساهمت العصابات اليهودية مساهمة عظيمة بإخراج الجنود البريطانيين من فلسطين، مستخدمة وسائل العنف والبطش والحيل".

هناك علامة فارزة في رواية دينا سليم "ما دَوَّنَهُ الغبار"، على الرغم من أن كل مستويات المحكي في الكِتاب تعتمد على المحكي السيري، إلا أن الكاتبة تُجَنِّسُ عملها "رواية"، ويبدو لي أن ذلك لا يخصُّ جنس الرواية مباشرة، بل يحيل على الصيغة المهيمنة والمهمة في العمل، وهي لجوء الكاتبة إلى اعتماد الحياد أي اتخاذ الجانب الموضوعي في تدوين الوقائع، وخاصة في الشق المتعلق بتدوين "شهادات" الشخوص، إنها تقوم بدور "الرَّاوِية"، كما هو متعارف عليه في الثقافة العربية الكلاسيكية، راوية الشعر، الذي لا يروي أشعاره (ذاتيته)، بل يكتفي برواية أشعار غيره بـ"صدق" و"موضوعية".

لم تجد دينا سليم حنحن، بدا من وضع عتبة نصية سمتها "ملاحظة"، للتشديد على موضوعيتها في نقل الأحداث والوقائع كما سمعتها مِمَّنْ زامنوا لحظة سقوط مدينة اللد وقبلها مدينة الرملة بعد مقاومة شرسة، والحديث عن الحياد فرضته الصيغة السردية، والطابع السيري (Biographique) للخطاب الروائي، لأن أهم المحكيات كما سلف الذِّكر، تتمحور حول: سيرة الجدين (رشدي وجميلة)، وحول تاريخ العائلة؛ أصولها القديمة وفروعها وإقامتها باللد، وعملها، ثم سيرة الخروج والشتات، تُمَّ العودة من أجل لم شعت العائلة، إنها سيرة وطن من خلال سيرة مدينة، وسيرة مدينة من خلال سيرة عائلة، أما الذات الساردة فهي تتجنب السقوط في سرد محكي ذاتي (Autobiographique)، من وجهة نظر أحادية السارد، تقول الكاتبة في العتبة النصية/ الملاحظة:" اتبعتُ موقف الحياد بما يتحتم عليَّ نقله لخدمة العمل الأدبي، وذلك من خلال تدوين الأحداث، ونقل المعلومات، والشهادات التي جاءت على ألسنة المتحدثين، ومما يقضي التنويه له أن ما تم نقله لا يعني بالضرورة أنه يعبر عن وجهة نظر الكاتبة."

في رواتها الجديدة "ما دونه الغبار"، تطرح الكاتبة الفلسطينية المقيمة في أستراليا دينا سليم حنحن، قضية الإنسان العربي المسلم والمسيحي على حد سواء، والمتمثلة في الخطة المنهجية المتبعة ضد نهوض هذه الفئة من البشر المميزين ثقافيا وحضاريا (مدنيا) وتاريخيا وفكريا سلوكا، والعمل الجاد على عزلهم في غيتوهات، مع نشر ادعاءات إعلامية مدعومة بحجج وبراهين مفبركة ومغرضة، جعلت منهم إرهابيين وهمجًا، متخلفين لا ثقافة ولا حضارة ولا مدنية ولا علوم ولا إسهام لهم في تطوير الحضارة الإنسانية العالمية، ولعل في هذه الإشارة إلقاء بعض الضوء على ما يجري حاليا ضد كل من يصنف نفسه ضمن خانتي: العربي والمسلم من أي بلد أو قارة. إنه حصارٌ سياسيٌّ تُساهم فيه بقوة طبقة اجتماعية وسياسية مدعية.

لقد اختارت الكاتبة تجنيس كتابها "ما دونه الغُبار" تحت مسمى "رواية"، والحقيقة، وبحسب المتن، الذي اعتمد في أساسه على سرد قصة العائلة وتاريخ نشأتها ومقدمها خاصة الفرع الذي سكن مدينتي اللد والرملة في فلسطين أيام الانتداب البريطاني والاستيطان وبداية النكبة، ثم التهجير والهجرة والشتات، فإن مصطلح "رواية" لا يعني التحديد الأجناسي للكتاب، بل هو التحديد النوعي، ويعني "السرد"؛ النص السردي، والذي يدعم ذلك وبقوة الجزء المتضمن للشهادات، وهو ما يجعل الكاتبة "راوية"، أي وسيطا بين القراء وأصحاب الشهادات.

يخرج قارئ رواية "ما دونه الغبار" بفكرة وحيدة مهيمنة، سواء في المتن السردي أو في الشهادات، أن إفراغ المدن من سكانها الأصليين هو الهدف والمرمى الأساس من النكبة، وكل الجهات المتصارعة تنشد ذلك؛ خاصة العصابات الصهيونية، الذين سعوا جادين، عبر القتل والترويع والرهيب، إخلاء البيوت من ساكنيها وتسليمها لليهود المستقدَمين من أنحاء العالم، والاستيلاء كذلك على ممتلكات الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، ممن لم يفروا قبل المواجهة بمدخراتهم وعائلاتهم نحو الأردن (عند عبد الله)، أو لبنان، أو التوجه نحو رام الله. تقول الكاتبة:" تصل سفن اليهود ليلا، تستقبلهم دوريات من العصابات اليهودية، وترتّب لاستيعابهم سراًّ في الموانئ، في المقابل، يخرج العرب في النهار، من الموانئ ذاتها إلى بيروت، يعني العرب يغادرون واليهود يدخلون"، لهذا تظل فكرة "عودة اللاجئين" نقطة خلافية، بل محورا معتما، ومنسيا، لا ينبغي طرحه لتسوية الخلاف/الصراع. ويعكس ذلك الوجه المظلمَ للجهات التي ساعدت وتاجرت بتهجير وبإفراغ المدن الفلسطينية من سكانها والبيوت من أهلها، والزج بهم في متاهة التغريب الذاتي والوجودي، والمصير المؤلم تاريخيا وإنسانيا.

دينا سليم حنحن روائية متمرسة، كاتبة بالطبيعة، كاتبة محترفة، اتخذت من الكتابة خاصة السردية وسيلتها في التعبير عن مواقفها وآرائها، وعبرها كذلك توجه وتبدع ضمن جمالية سردية تزاوج بين الإبداع الأدبي التخييلي ومساءلة الإنسان والمرحلة والواقع، وهي بذلك تمنح الكتابة حقيقتها التي وجدت من أجلها، أي أن الكتابة لم يوجدها الإنسان الأول للمتعة فحسب، بل كانت وسيلة الإنسان في تحقيق المعرفة، بمعنى فهم الواقع وأحداثه، والوقوف على الأسباب الكامنة وراع تحقيق سعادة الإنسانية أو الأسباب الكامنة وراء نشوب الحروب والصراعات بين الشعوب والدول في المعمورة، وكانت وسيلة الإنسان في التحكم في الواقع الشاسع، والتعرف على الفروق المعرفية والاختلافات الثقافية، لأجل الإجابة عن الأسئلة الجوهرية التي تحير فكر الإنسانية حتى الآن.

هذه المستويات يمكن الوقوف عليها في الرواية الحالية للكاتبة دينا سليم حنحن "ما دونه الغبار"، إنها رواية تحتفي بالسرد والحوار، اللذين يمنحان شخصياتها فرصة الاقتراب كثيرا من الشخوص في الواقع، وهي تقنية كتابية ذكية، تجيب عن إشكالية قائمة في الدرس النقدي بين التوفيق بين الواقع المعيش والتخييل الأدبي، لذلك نجد الرواية تشبع رغبة القارئ الأديب والمحلل النفساني وعالم الاجتماع، والمؤرخ.

وهي رواية مثقفة، لأن الكاتبة انتهجت فيها طريقة جديدة، وهي مغامرة في الآن ذاته، لقد اعتمدت على البحث والتدوين والتوثيق، لأهم وأخطر مرحلة في التاريخ المعاصر في فلسطين والشرق الأوسط، وعبر المتن السردي والتخييل الروائي في "ما دونه الغبار" يمكننا استشراف الواقع الاجتماعي والحالات والوضعيات النفسية وآفاق التفكير في المنطقة العربية وعالميا. إن الإجابة عن هذه المعادلة في رواية دينا سليم وحده يكفي بأن يجعل هذا العمل رائدا في مجال الرواية المعرفية عند المرأة الكاتبة، دون نسيان المجهود الكبير المبذول في جمع الوثائق والتنقيب عن الحقائق وجمع شهادات الأحياء والسعي وراءهم في بلدان مختلفة من العالم. لم تكن رواية "ما دونه الغبار" احتفاء بنضال وصمود أهل مدينة اللد وسكانها، ولم يكن فقد احتفاء بأفراد أسرة وعائلة الكاتبة، بل كانت مرآة صادقة حريصة على توخي الدقة ومجانبة الذاتية الفردانية لتمثيل واقع أهلنا في فلسطين والعام العربي (الشام والشرق الأوسط)، ودور وتأثير دول العالم في هذه المحنة. لم تكن الكاتبة دينا سليم حنحن محابية لطرف على طرف آخر، بل سعت خلف الحقيقة الأقرب إلى الواقع، في أسلوب سردي  وحواري (شهادات)، شائق. لن يعدم القارئ في هذه الرواية متعة القراءة وسردية التخييل، وشغف التاريخ ودقة التدوين والتوثيق.    

 

 

ما دونه الغبار؛ دينا سليم حنحن، قيد الطبع والنشر.

 

 

    

 

 

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité