Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
2 juin 2013

سعيد مهران بطل بلا قيم

aleswelkelab

 

محمد معتصم

 

اللص والكلاب؛ سعيد مهران بطل بلا قيم

 

 

1/ تقديم:

 

نجيب محفوظ أول كاتب عربي حاصل على جائزة نوبل للآداب على مجموع أعماله الروائية والقصصية التي تم تصنيفها في الدراسات النقدية ضمن المدرسة الواقعية العربية، حيث عرفت الرواية نضجها الجمالي وتخلصت من آثار الاقتباس والترجمة والإرهاصات الأولى في السرد العربي.

 

ورواية "اللص والكلاب" التي صدرت أول مرة سنة 1961م، قبل حوالي نصف قرن ونَيِّف، تأتي في مرحلة مهمة جدا من تاريخ تطور الرواية العربية والعالمية، أي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وما تركتاه من انكسار وخراب وشك في النفوس. إنها مرحلة الوجودية. التي صارع فيها الإنسان الفرد الأسئلة الحارقة مثل: من أنا؟ وهل أنا موجود فعلا أم بالقوة؟ وهل أنا موجود ظاهرا أم فعلا؟ وهل أنا حر؟ هل أملك حريتي؟ وهل أنا حر في اختيار حريتي؟

 

وصارع الإنسان الفرد حقيقة أنه وحيد في العالم وهيمن على فكره بأنه متروك لمصيره يصارعه وحيدا بلا أسلحة، بلا غطاء أو مظلة تحميه من فقدان الهوية ومن فقدان ثقله ويقينه بأن هناك رعاية عليا تجنبه أهوال الوجود، وتقويه على تحمل مصيره وتهديه وتنير طريقه في هذه الحياة الصعبة والقاسية والجاحدة.

 

2/ تتبع الفعل:

يعرف السرد [Narration] بأنه متوالية  [ Séquence narrative] من الأحداث، أي أنه متوالية من الأفعال التي تَحْدُثُ للشخصيات [بأسباب ظاهرة أو غير ظاهرة] أو تُحدِثها الشخصيات لبعضها فيما بينها، ولا يتقدم محكي الشخصيات [القصة/مادة الحكي/الحكاية] إلا بواسطة الأفعال التي يصوغها السارد بطرائق متعددة. والأفعال/الأحداث أنواع من أهمها الحدث الرئيس الذي بدونه تتفكك الحبكة ويتلاشى المعنى العام للرواية [وأعني بالحدث الرئيس كل حدث له وظيفة في السرد لاحقا، أي الحدث الوظيفي الذي سيفيدني في الانفتاح على بعد من أبعاد السرد المعرفية والاجتماعية]، والحدث الثانوي الذي يتمم بناء السرد أو يرمم ويرتق ما تمزق من محكي الشخصيات الرئيسة، وهي في رواية "اللص والكلاب" سعيد مهران ونور ورؤوف علوان، كما سنوضح في حينه.

 

الحدث الأول: خروج سعيد مهران من السجن، بعد قضاء المدة المحكوم عليه بها وقد دامت أربع سنوات. وهذا الحدث، وإن بدأ به السرد إلا أنه ليس الحدث النواة الذي منه تتوالد جل المحكيات [Récits] مثل محكي سعيد مهران وهو المحكي الإطار، ومحكي نور وهو محكي مصاحب لم يتم تبئيره والتركيز عليه كمحكي مستقل بل ظل مصاحبا لمحكي سعيد مهران، ثم محكي رؤوف علوان الذي يحيل على الأبعاد التاريخية والاجتماعية والفكرية والسياسية للمرحلة.

 

الحدث الثاني: رفض سناء معانقة أبيها، وهو حدث رئيس لأنه سيصاحب سعيد مهران في مساره السردي وتناميه، بل سيكون حافزا من أهم حوافز عماء سعيد مهران وتقوية رغبة الانتقام لديه. ليست سناء شخصية رئيسة لأنها لم تتمكن من بناء محكي خاص بها، لكن سعيد مهران جعلها قوية الحضور كما هو الحال بالنسبة لنور، حيث ورد اسمهما في الحدث الختامي [حدث الاستسلام].

 

الحدث الثالث: زيارة الشيخ علي الجنيدي في بيته بحثا عن الاستقرار والاطمئنان النفسيين، والبحث عن أجوبة شافية علىما حدث؛ استرداد ممتلكاته/ مسروقاته، كيف ترفض البنت أباها بالولادة [البيولوجي]؟ كيف يمكن إسكات صراخ الانتقام وصوت الخيانة والحقد والكراهية الذي يملأ نفسه وذهنه؟؟؟ وهو حدث رئيس لأنه باب تفتح أمام الشخصية للتخلص من كل ذلك الألم، إلا أن سعيد مهران سيختار غير هذه البوابة وسيستجيب فقط لنداء الانتقام والحقد والكرائية و"تحقيق العدالة الشخصية".

 

الحدث الرابع: الالتقاء بنور الغانية التي تمتلئ حنانا وحبا وعاطفة أكثر من كل الوجهاء والأغنياء و"الكلاب". ففي الوقت الذي طرده وهدده رؤوف علوان وهرب منه "تلميذه/صبيه" عليش، ونفرت منه ابنته "سناء"، وتطلقت منه "نبوية" لم تتخل عنه "نور" فآوته وأكرمته ومنحته بعضا من الاطمئنان والمحبة. وهو حدث رئيس لأنه ينفتح على بعد اجتماعي وأخلاقي تعرفه المجتمعات العربية، فكثيرا ما تحجب أحكام القيمة عنا الحقيقة، وفتردينا في العماء.

 

الحدث الخامس: إصابة الأبرياء وارتعاش اليد الثابتة المشهود لها بالدقة قبل السجن. وهنا تركيز لبعد نفسي عرفته شخصية سعيد مهران وهو القلق والاضطراب الناتجين عن روح الحقد والكراهية من أثر الخيانة والرغبة في الانتقام.

 

ويتضمن هذا الحادث أحداثا صغرى وهي؛ محاولة اغتيال عليش سدرة ورؤوف علوان كرمزين بارزين على الفساد والحقد..

 

الحدث السادس: استسلام سعيد مهران بعد محاولات يائسة بإطلاق النار والاختباء في المقبرة.  

 

3/ تقويم القوى الفاعلة:     

يراد من هذا الاصطلاح؛ الشخصيات المتخيلة والأشخاص، والحوافز من حيوان وأشياء، وهي هاهنا على التوالي بحسب وظيفتها في تنامي السرد وبناء المحكيات:

 

الشخصيات المتخيلة:

سعيد مهران: إنه الشخصية المحورية ويمكن أن نطلق عليه البطل المضاد [Anti- héros] لأنه بطل بلا قيم، ويختلف عن صورة البطل التقليدي الذي اشتهر في الروايات والسير الذاتية والغيرية والشعبية الذي يتخذ قدوة ومثالا. طفل فقير ابن لبواب عمارة الطلبة يقسو الزمان عليه بوفاة والده ووالدته، ويقسو على الناس بسرقته ونبذه لصفته وحرفته "اللصوصية" التي بررها له رؤوف علوان وشجعه عليها.

رؤوف علوان: شخصية انتهازية استغلت سذاجة وفقر ولهفة سعيد علوان ومن هم من قبيله من أجل الوصول إلى المناصب العليا، والثراء والجاه والشهرة، وذلك بزرع الأفكار المزيفة  في أذهانهم تحميسهم بالخطابات السياسية النارية ضد الأغنياء والبشوات من أصحاب المال والقصور.

نور: نقطة النور الوحيدة في محكي سعيد مهران، "غانية" تحترف الرقص وبيع الجسد كما يلمح إلى ذلك الرواية، لأن ظروفها الاجتماعية دفعتها دفعا إلى هذه الوضعية، لكنها وفي بناء متضاد للشخصية جعل السارد/الكاتب شخصية نور منجما للإنسانية والحنان والمحبة والعطف.

طرزان: صاحب مقهى في أطراف المدينة يلتقي فيها قطاع الطرق والمهربون والهاربون من العدالة، وهو صديق قديم لسعيد مهران لكن أهميته تكمن في أنه مصدر مسدس سعيد مهران الذي سيرتكب به أخطاءه. وسيقوم طرزان بوظائف مهمة في السرد من بينها، ظهور شخصية نور مجددا في محكي سعيد مهران، حلقة وصل بين الأحداث الموزعة بين بيت نور وبيت علي الجنيدي والأمكنة المستهدفة للانتقام: قصر رؤوف علوان ومخبا عليش سدرة ونبوية اسماعيل.

سناء: ابنة سعيد مهران التي ستتنكر له بعد سنوات السجن.

نبوية اسماعيل: طليقة سعيد مهران التي ستتزوج من "صبي" طليقها وتتقاسم معه مسروقاته.

عليش سدرة: "صبي" سعيد مهران قبل السجن وغريمه في آن، يسرق منه ماله وزوجته وابنته.

علي الجنيدي: الشيخ علي الجنيدي رجل متدين وصاحب طريقة يقصده المريدون للذكر، وهو بمثابة بوابة "مفترضة" لسعيد مهران نحو الخلاص الروحي والاطمئنان والاستقرار، إلا أن سعيد مهران فضل الفعل الشخصي على الاستسلام للمعتقد واليقين الروحي.

 

الأشياء المحفزة:

المسدس: يلعب دورا وظيفيا في بناء السرد وتطوير الأحداث، وعبره نكتشف الاختلالات التي طرأت على شخصية سعيد مهران، وبواسطته نفد انتقامه وحقده وكراهيته.

البدلة العسكرية: بواسطتها استطاع التستر والتنقل بين الأحياء والأهم تطوير السرد والأحداث.

 

4/ الدراسة النفسية للنص:

الدراسة النفسية للنص تتخذ أبعادا مختلفة، دراسة اللغة والفضاء والمواقف وحالات الشخصيات، لكنني سأشير باختزال إلى الشخصية المحورية "سعيد مهران" وشخصية "رؤوف علوان".

سعيد مهران: شخصية مهتزة ومضطربة قلقة ومترددة، حائرة لأنها تعاني من قلق وجودي، تصارع ضد المجهول وكل محاولاتها تبوء بالفشل، ابتداء من استرداد ابنته إلى كنفه إلى الانتقام من عليش، ومحاولة اغتيال رؤوف علوان، ومن الاعتراف لنور بحبه، والاقتداء بوالده المرحوم وبالشيخ علي الجنيدي ونصائحه ومحاوراته.

 

سعيد مهران يصارع قدره وحيدا أعزل من كل سند اجتماعي وعقدي وفكري (موقف). إنها شخصية اتراجيدية [درامية]، شخصية سعيد مهران تعاني من الحيرة والرفض وترزح تحت ثقل الإحساس بالدونية والإهمال والتهميش.

 

شخصية رؤوف علوان نموذج للشخصية الانتهازية الفقيرة التي استطاعت أن تلعب على الحبلين أن تغرر بالبسطاء بإنتاج خطاب مزيف وأن تحقق مآربها وأطماعها الاجتماعية، وهي نموذج يعكس الاحتمالات التأويلية لكل خطاب، قول.

 

5/ الدراسة الاجتماعية للنص:

تحضر الوضعية الاجتماعية لشخصية سعيد مهران ضمن محكي الاسترجاع عندما تتذكر الشخصية مرحلة الحماس والانبهار بشخصية رؤوف علوان الحماسية والمناضل ضد البشوات لصالح الفقراء والمعدمين من أجل العدالة الاجتماعية والإنصاف.

 

ينتسب سعيد مهران إلى طبقة اجتماعية بسيطة؛ ابن بواب عمارة الطلبة، والده رجل درويش يتردد على حلقات الذكر عند الشيخ علي الجنيدي، تعاكس الأحداث/الحياة سعيد مهران فيحترف السرقة، سرقة قصور الأغنياء ليعول نفسه لكنه ينتهي إلى السجن وفقدان كل شيء حتى الأمل واليقين.

 

نور نموذج آخر للمأساة الاجتماعية حيث الإنسان شيء يباع ويشترى كما تباع الأشياء وتشترى، الإنسان شيء فارغ في نظر الآخر الشبيه، لكنه إنسان حافظ على إنسانيته وخبأها تحث جلده لمواجهة قساوة الحياة/العيش، تماما كما هي حال سعيد مهران، ولا تبرز الشخصية الإنسانية إلا عندما تنزوي الشخصية بعيدا عن الخارج، عن المجتمع الخارجي، وبالقرب ممن تحب "سعيد مهران".

 

6/ الكشف عن بنية النص:

لكل نص [طويل أو قصير] بنية أي نظام وقد حدد نقاد الرواية بنية نموذجية للسرد تختلف فقط في التقديم والتأخير بحسب قصدية السارد والكاتب الموضوعي. تتكون البنية النموذجية للنص السردي من ثلاث حالات/ وضعيات، هي:

وضعية البداية: تمتاز بأنها مستقرة وهادئة تتنامى أحداتها طبيعيا وبتواتر وخطية.

وضعية الاضطراب: يقع حدث مفاجئ غالبا "يشوش" الخطية والتواتر في الوضعية الأولى بفضل "عنصر مشوش"، فيتحول مجرى السرد نحو البحث عن الحل/ الحلول الممكنة.

وضعية النهاية: العودة إلى حالة الاطمئنان والتواتر الخطي، بعد العثور على حل للاضطراب في الوضعية السابقة.

رواية "اللص والكلاب" تبدأ من الوسط، خروج سعيد مهران من السجن [احتمال: كان من الممكن أن يبحث عن عمل وعن الاستقرار لكنه] توجه مباشرة إلى الحارة بحثا عن ابنته سناء وغريمه عليش سدرة حيث واجهه المخبر وأتباع عليش فيرجع منكسرا إلى مقهى طرزان.

 

يحصل على المسدس ويبدأ في عمليات فاشلة للانتقام، وتشمل هذه الوضعية معظم الرواية.

 

الاستسلام، حل سيعيد سعيد مهران إلى السجن، نقطة الانطلاق، حتى يكون البناء مغلقا مما يطابق الفضاء الدرامي للقصة وانغلاقها.

 

7/ أسلوب النص:

غالبا ما يركز الدارسون في هذا المحور على اللغة، بالأحرى على الأبعاد البلاغية والنحوية والصرفية، لكن في السرد فينبغي لفت الانتباه إلى وجهات النظر، وإلى الصيغ السردية المهيمنة، وهو ما سأشير إليه لأنني تحدثت عنه ضمنا سلفا.

 

يتميز السرد في رواية "اللص والكلاب" بالتدفق الداخلي، فهي نموذج لروايات "تيار الوعي" كما عرفته الرواية الجديدة ففي الغرب/ فرنسا تحديدا مع ألان روب غرييه وفليب سولرس وما رغريت دوراس،،، ويعود الفضل في اكتشاف هذا المصطلح إلى فرويد الذي استعمله في تحليله للأحلام وتأويلها. فما هي اللغة المناسبة لهذا المظهر السردي؟ إنها المونولوج، الحوار الداخلي للشخصية، وهو أسلوب بارز في رواية "اللص والكلاب" فالشطر المهيمن في الرواية يقع في ذهن ونفس شخصية سعيد مهران، ويصاحبه الاسترجاع والاستذكار.

 

يتميز السرد في الرواية بمحكيين سرديين اثنين، هما:

محكي سعيد مهران: وهو محكي خطي تتخلله بعض الاسترجاعات ذات البعد الاجتماعي وأخرى تستدعى لترميم ثغرات القصة [مادة الحكي].

محكي نور: وهو محكي خطي كذلك وتتخلله بعض بعض الاستذكارات التي تربط بين الشخصيتين (نور وسعيد مهران)

 

وإذا كان لابد، فإن المعجم اللفظي في الرواية بسيط ومتداول ولا يضطر معه القارئ العودة إلى المعجم للبحث عن المعاني، كما أن الاستعمال الدارج واللهجة المحلية نادر بالرغم من الفضاء الذي تجري فيه الأحداث.

 

8/ خاتمة:

استطاع نجيب محفوظ في روايته "اللصوالكلاب" رصد أهم الظواهر الاجتماعية وآثارها السلبية على الإنسان المقهور، الغر قليل الخبرة والتجربة، وبسيط المعرفة والتعليم حيث صوره في حال من القلق والاضطراب وسوء تقدير الأمور فبدا كمن يسعى ضد ذاته ومن لا يعرف ما يريد حقيقة من الحياة. إنها رواية تضع الإنسان الأعزل في كماشة المجتمع وفي قبضة المزيفين وذوي المصالح الشخصية الضيقة، فيقعون فرائس للحيرة والفشل.

 

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité