Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
13 avril 2020

الدلالة الشعرية المفتوحة. في شعر حسنة أولهاشمي

 

1

محمد معتصم

 

الدلالة الشعريَّة المفتوحة

 

لغة الشعر لغةُ المجاز، واعتدنا في تعريف المجاز بضده، غير الحقيقة. في حين أن المجاز لا يضاد الحقيقة ولا يناقضها، بل المجاز الشعري قولُ الحقيقة بطريقة مختلفةٍ ومن جهة غير جهة نظر الإنسان النظرة العادية المتداولةَ البسيطة (التواصلية). إن المجاز تركيبُ الجملة الشعرية تركيبا نحويا سليما، ولكنَّ التركيب الدلاليَّ يكون مختلفا بضمِّ (مقومات) الجملة الشعرية إلى بعضها اعتمادا على حسِّ الشاعرة الباطنيِّ والشخصيِّ. من ثمة يكون معنى قول مشيل بوتور:" المعنى في بطن الشاعر" واضحا جليا.

فالشاعر يقصد إلى المعنى قصدا غير الذي يتداوله الناس عادة، الذي تقوله اللغة غير الشعرية. أي ما يقال خارج دائرة الشعر والتعبير الشعري المجازي. فتكون قراءة الشعر تأويلية تأويلا مزدوجا؛ تأويل الحقيقة من قبل الشاعرة تأويلا شخصيا يقوم على حساسية وثقافة الشاعرة من جهة، وتأويل القول الشعري من قِبَلِ القارئ تأويلا شخصيا يقوم على حساسية وثقافة المتلقين عموما واختلاف مستوياتهم وأوضاعهم. الشاعرة تقول الحقيقة التي في داخلها، والقارئ يقرأ الحقيقة التي يوحي بها الخطاب الشعري.

إن المجاز الشعريَّ قراءةٌ تأويليةٌ مفتوحةُ الأفقِ. والمجازُ جوهرُ "الشعرية". مثلا:" بريدُ الفراشات"، لا يخلق المستوى المعجميُّ جماليته الشعريةَ، لأن كل كلمة منفصلة لها دلالتها أو دلالاتها المحصورةُ المعنى، وكذلك التركيبُ النحويُّ يضمن للجملة سلامتها بنيويا، ولكنَّ التركيب الدلاليَّ وهو تركيبٌ بين المختلفات، واللامتوقع في جهاز استقبال المتلقين، يقوم بفتح آفاق الدلالة الشعرية على معاني غير مطروقة أو مسبوقة، تخلق الدهشة والتوتر، أو ما سماه كمال أبو ديب "مسافة التوتر"، أو كما يعرف في نظرية الاستقبال والتلقي "تكْسِيرُ أفق" المتلقي.

فيصبح معنى التركيب "بريد الفراشات" دلاليا، كالآتي؛

وهنا أطرح الاحتمال الأول فحسبُ: البريد يعني الإشارات والرموز والعلامات والدلالات التي تتركها "الفراشات" برهافتها وجمالها وقصر عمرها في نفس القارئ والمستمع، كل بحسب درجة صلته بالفراشات ودرجة معرفته بعوالمها وحقولها الدلالية المتنوعة.

بعيدا عن عتبة العنوان، تتسع الدلالة وتنفتح أكثر، مع كل إضافة، مثل كلمات؛ الحلم وماء وأرض دامعة في المقطع الشعري الآتي؛

"خلفَ الزقاق القديم

طفلةٌ ...

... تحيك وسادةَ الحلمِ

تنسج رسوما من ماءٍ

على أديم أرضٍ دامعةٍ." ص (11)

كما تتسع أكثر دلالة لفظة "بريد" داخل فضاء الديوان الأوسع، فيصير مثلا: بريد النرجس في الحديث عن غزة والقدس وفلسطين، وبريد الحكايات في حال استرجاع ذكرى الأب ومأساة الوطن.

هكذا يكون تأويل الشاعرة تأويلا ذاتيا وشخصيًّا، وهو ما يشكل الصورة القريبة من الحقيقة الذاتية، أي في ذاتها، وفي الوقت ذاته يؤسس لمتخيل شعريِّ خاص بالشاعرة وقصيدتها. أما تأويل المتلقي فيكون تأويلا منفتحا ومُتنوعا ومتعددا وغير متوَقَّع، وهو ما يوافق تنوع واختلاف مستويات التلقي الشعري. لذلك ينبغي قراءة القصيدة في ديوان "بريد الفراشات" على أنها تأويلات مفتوحة لصور بسيطة ومركبة في آن، لأن الشاعرة عمدت إلى اختراق التركيب الدلالي بصف كلمات إلى أخرى صَفًّا غيرَ مَطْرُوقٍ ومُقلق لراحة استقبال القارئ العاديِّ. لتصبح قصيدتها سلسلة من الصور الشعرية المتعاقبة، صور شعرية تتناسل وتتوالد في داخلها كالخلايا. لا تحتاج إلى دعامات خارجية، ويكثر ذلك في القصائد التي تلتحم بالذات أو صورها المضاعفة: الرحيل والأب والوطن.

إن الصور الشعرية في الديوان تركيبٌ نحويٌّ يؤدي إلى خلق معانيَ جديدة غير متوقعة عبْرَ صف ألفاظ لا تقبل الالتفاف على بعضها في اللغة العادية. وهو تعريف يقترب من التعريف المختزل الذي اقترحه فرانسوا مورو في كتابه "البلاغة المدخل لدراسة الصورة البيانية" حين يقول:" الصورة هو، بمعناها الأسلوبي تمثيلٌ لعلاقة بين شيئين." ص (10).

والشيئان هما المسند والمسند إليه، أو التوابع والمتبوع، والمضاف والمضاف إليه في كل تركيب نحويٍّ مِعْيارِيٍّ. ولكن كما سلف فالتركيب النحوي المعياري للجملة العربية ليس مسؤولا عن خلق "الشعرية" و"مسافة التوتر" و"انكسار أفق التوقع والتلقي"، بل التركيب الدلالي بين الشيئين. على سبيل التمثيل، في هذه الجملة الشعرية من قصيدة "النوارس لم تعدْ" حيث تقول الشاعرة:" يُدَحْرِجُنِي صَخْرُ الغِيَابِ" ص (7) فالتناسب بين "دحرج" و"الصخرة" حقيقي ولا يخلق شعرية معينة بل يقول الحقيقة العينية المتداولة، ولكن كلمة "الغياب" عندما نُسبتْ إلى التركيب النحوي كسرت الدلالة وجعلت التأويل الشعريَّ منفتحا على آفاق تخييلية لا محدودة، منها تشبيه الغياب بالصخر في الثقلِ، فالذات ههنا يدحرجها الغياب ويثقل كاهلها ويصبح الانتظارُ؛ انتظار أوبة الغائب قيدا ثقيلا يعوق الذات عن الحركة والإقبال على الحياة. وفي القصيدة ذاتها نجد الشاعرة تستلذ هذا اللعب الأسلوبيَّ فتتناسل عندها الصور الشعرية، وبالتالي تتعدد الدلالة الشعرية وتتنوع بين الحقيقة والمجاز، المعنى الحقيقي الذي يقول عنه رولان بارت "إنه المعنى الأول للفظة" ويقول دومارسيه (Dumarsais):" حين تدل اللفظةُ على ما وضعت له في الأصل" أي في معناها المعجمي والمعنى التداولي، ما دامت التداولية من جهة أخرى كما يعرفها منغونو:" اللغة في الاستعمال". ويتابع رولان بارت قائلا:" غير أن المعنى الحقيقي لا يمكن أن يكون المعنى القديم جدا (فالمهجور والمُماتُ من الألفاظ يوحي بالغربة)، بل المعنى الحقيقي، هو المعنى السابق مباشرة على ابتداع الصورة البلاغية: الحقيقي، مرة أخرى، هو السابق (الأب)." ص (159-160)

تقول الشاعرة:" كما الريحُ تطوي شَيْبَ الموجِ" قد يكون المعنى الحقيقي في تأويل الشاعرة "زبدُ" الموجة ورغوتها المميزة ظاهرا بالبياض، بينما يصبح المعنى الجديد في التأويل الشعري للمتلقي ما يوحي به الشيبُ من دنو الأجل والانتقال من فورة واندفاع وحماسة الشباب إلى فتور وضعف الكهولة والشيخوخة، وكأن الموجة المندفعة بقوة وحماسة في منبتها تضعف عندما تصل الشاطئ وقد جللها بياض الشيب لتموت على الرمال. والتقاء التأويلين؛ تأويل الشاعرة الذاتي وتأويل القارئ والناقد المنفتح الدلالة يخلقان صورة شعرية متعددة الدلالة ومنفتحة الآفاق. وهو جوهر "الشعرية" وفي الآن ذاته حقيقة الشعر.

فالشعر يقعُ في ذهن المتلقي عبر فكِّ شفرة اللغة، واللغة ليست في الشعر سوى القشرة الخارجية التي تحمي وتخفي لُبَّ الشعر. فاللغة الشعريةُ ذريعةٌ ضرورية، بل عنصرُ تمويهٍ يقول الحقيقة الجوهرية (الحقيقة اللاحقة) عبر النظر إلى الضفة الأخرى. لا تقول الشيء والحدث، بل تقول أثره في نفس الشاعرة وفي ذهن القارئ.

وتقول كذلك:" يطويني لهيب جرحك"، فينوب لفظ "الجرح" على لفظ "الألم" لدلالة اللهيب على حريق الجرح وألمه. لكن ما يحقق الدلالة الشعريَّةَ هو كاف الخطاب. الذي يجعل الدلالة منفتحة على بعدين؛ الأول يذهب باتجاه "جرحك أنتَ" فيخص القول الشعريُّ بالآخر المخاطب وهو المعنى القريب والحقيقي. في علاقة خطية من المتكلم إلى المخاطب. والثاني يذهب باتجاه "جرحكَ لي" فيخص القول الشعري ههنا الذات المتكلمة. فتصبح الدلالة مغلقة ودائرية ومحجوزة تبعث على الأسى والحزن والعتاب واللوم. وهكذا يتم تأويل المقطع الشعري برمته على الصورة الآتية: إن غيابك آلمني وجرحني.

ويتأكد هذا المعنى في خلال الحقول الدلالية السريَّة (سرية لأنها تتخفى وراء حقول دلالية ظاهرة: الطبيعة غالبا) التي تتحكم في بناء المتخيل الشعري في ديوان حسنة أولهاشمي "بريد الفراشات"، وهي حقول تجمع ألفاظا بعينها من قبيل: الرحيل. الانتظار. الموت. الأحلام. الوطن. الأب.

بعد منتصف الديوان، اتضح المتخيل الشعريُّ عند الشاعرة حسنة أولهاشمي وضوحا جليا، لكن مع تحولٍ في الخطابِ، أي انتقلٍ من "الشِّعريَّةِ" إلى "السَّردِيَّةِ"، ولم يكنْ هذا التحولُ فُجَائِيًّا فقد وردت كلمتا "الرحيل" و"الحكاية" تقريبا في جل النصوص الشعرية، مع استرسالٍ وتدفقٍ في القول الشعريِّ، في صور شعرية مركبة ومتناسلة، مِمَّا ينبئ بالتحول نحو "سردية الشعر"، وميل الشاعرة إلى الحكي خاصة في موضوعات أثيرة لديها كاسترجاع صورة الأب أو ثنائية الرحيل والانتظار وما يصاحبهما من مشاعر الفقدان وألم الفراق والشعور بالوحدة والعزلة وضغط الغياب والفراغ، أو التعرُّضِ لموضوعات قومية عنْ غزة والقدس وفلسطين عامة، وموضوعات وطنية تتأسى على وطن مشتهى:

"للوطن أمنياتٌ..

تشبهُ خطوط كفي

منها يسيحُ موتٌ متقطعٌ بطيء

رسومٌ أمازيغيةٌ

تلفُّ الماضي بعمامةِ مجدٍ مسلوبٍ

حروفٌ غابرةٌ

قرابينُ من ماءٍ

وعطرُ عهودٍ تشنقها خطايا مشروعةٌ

بيني وبيني

تنبتُ أهازيجكَ الثكلى يا وطني..." ص (48)

مقطعٌ شعريٌّ يتجلى على تحولٍ في الخطاب الشعريِّ، لقد خَفَتَ صوتُ المجازِ والصور البيانية البلاغية المركبة والمتعاقبة، وَهَدَأَ صوت التأويل الذاتي للحقيقة، لِيعلوَ صوت "الجماعة" يلفُّهُ صوت الـ"أنا"، وهو ما يخلق عادة حالة شعرية دراميةً، أي عند امتزاج الصوتين، صوت الأنا وصوت الجماعة يتدفق القول الشعريُّ في حالة حنينٍ وفي حالة تأسِ وتأسفٍ، أي أن الشاعر وحسنة أولهاشمي في هذا المقطع عادةً ما يَرَيَانِ الماضيَّ في صوره الأبهى التي دالت ثُمَّ زالت. وقد زَيَّنَتْ هذه الكلمات فضاءَ المتخيَّلِ الشعريِّ ولونته بألوان الحزن والأسى وربما الفاجعة، وهي: الموت. المسلوب. الخطايا. الثكلى. أما أسلوب النداء في "يا وطني"، فقد أدى وظيفة دلالية عكس المتعارف عليها،أيْ لفت الاهتمام والانتباه وتمثلت في "النُدبةِ". أي أنه نداء المتوجِّع والمتفجِّع والمتوجَّع والمتفجَّع عليهِ.

ليس غريبا كذلك الحديث في ديوان "بريد الفراشات" عن الحزن والموت والرحيل والانتظار والألم كحقول دلالية متوازية ومتجانسة، ولا عن التخييل الشعري الدرامي سواء على مستوى بناء النصوص الشعرية، أو المعجم اللفظي، أو الصور الشعرية ودلالاتها الموحية.

يُعد هذا الديوان الشعري تجربة شعرية مميزة وثرية في المدونة الشعرية المغربية المعاصرة بروحه الصادقة وما يزخر به من صور شعرية بيانية قصيرة ومسترسلة، وأيضا بمتخيله الشعري الدرامي الذي يمزج بين صوت الذات وصوت الجماعة في تناغم يحافظ للنص الشِّعريِّ على خصوصيته ويسمح للخطاب أن يقول رأيه في قضايا شخصية وعام.

 

إحالات:

 

1. أولهاشمي، حسنة: بريد الفراشات. شعر. منشورات مطبعة دار القرويين. ط1. 2015م

2. بوتور، ميشال: بحوث في الرواية الجديدة. ترجمة؛ فريد أطونيوس. منشورات عويدات. بيروت- باريس. ط2. 1982م

3. بارت، رولان: البلاغة الجديدة. ترجمة وتقديم؛ عبد الكبير الشرقاوي. منشورات دار الفنك. 1994م

4. مورو، فرانسوا: البلاغة. المدخل لدراسة الصورة البيانية. ترجمة؛ الولي محمد وجرير عائشة. منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي. ط1. 1989م  

5. أبو ديب، كمال: في الشعرية. منشورات مؤسسة الأبحاث العربية. ط1. 1987م

6. Maingueneau, Dominique : Pragmatique pour le discours littéraire, Bordas, Paris, 1990

 

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité