Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
30 mai 2006

مكامن القوة في قصص أحمد بوزفور

محمد معتصم

الناقد الأدبي

9385574620060216121602

مكامن القوة في قصص أحمد بوزفور

لكل كاتب عوالمه التي تلهمه، وتحفزه على الكتابة، وتحثه على التعبير. فلا كتابة بدون هدف أو بدون دوافع. والقصاص أحمد بوزفور يكتب لهدف وبدوافع. وهي ما نعتبره مركز قوة تميل كفة التفرد والخصوصية والتميز عنده.

كتب أحمد بوزفور حول وفي مواضيع عديدة. لكنه كان دائما ينطلق من "حالة" أو يصل إليها. يكتب معتمدا على ثقافته وخبرته في الكتابة القصصية ومعاشرته الحميمة لها؛ إبداعا ونقدا، وتعقيبا، وتشجيعا، وتعليقا، ومحاورة، وقراءة، ومصاحبة لأجيالها وتجاربها.

والحالة المهيمنة على قصص أحمد بوزفور حالة "النزول" نحو عوالم الوحدة. وتبدو الشخصيات القصصية عند الكاتب قليلة الكلام، لا تحب الإطناب والإسهاب والحشو. تقتصد في التعبير عن حاجاتها لفظا، وتسعى إلى ملء الفضاء بالبياض؛ بالجمل المتقطعة، والألفاظ التي لا تحتمل التأويل، ونقط الحذف. والحالة هذه تدفع الشخصية القصصية إلى الشعور بحال من الهبوط والاستسلام. كأنها في غنى حتى عن الدفاع عن نفسها لأن ذاتها أصبحت عبئا ثقيلا عليها. لم تعد شخصيات قصص أحمد بوزفور ترغب من كثرة الإجهاد والبحث عن المعنى، وعن اللفظ، وعن اللغة المعبرة الدقيقة الخالية من الشوائب، في القول. بل أصبحت تنشد المحو.

حالة الهبوط النفسي أو نشدان الوحدة والعزلة؛ عزلة الناسك الذي أنهكه ضجيج العالم، وأرهقه اكتشاف / انكشاف الحقيقة التي لا حقيقة بعدها، وهي الوجود في البحث عن الوجود. والإقامة في البحث عن منفذ وسبيل إلى الإقامة. والبحث في القصة أهم من القصة ذاتها. بل هو القصة في ذاتها.

هكذا تتحول الشخصية القصصية في قصص أحمد بوزفور. تبدأ ضاجة بالحياة، وتنتهي ضجرة بها ومنها. شخصيات لا تحتج على شيء. لا تصرخ كما في كتابات قصصية أخرى. شخصيات تبحث عن الجوهر، عن القيمة الحقيقية للوجود. لكنها في النهاية تكتفي من نتائج البحث، بخطوات الطريق. ولهذا تكتفي قصص أحمد بوزفور بالبحث عن المعنى، عن الحكاية، عن اللفظة الجامعة، عن الجملة الخالية من الشوائب. الجملة الحادة التي تخترق لا الجملة المحلقة الفرحانة المزدهية. يذكرني عمل القصاص أحمد بوزفور دائما بالقول الفرنسي :" ليس الطريق هو الصعب، بل الصعب هو الطريق". وقد اختار أحمد بوزفور الصعب طريقا وطريقة.

والحالة التي تصلها شخصيات أحمد بوزفور القصصية تدخل في زمرة من الكتابات الحديثة عالميا، والتي تمتاح من الفكر الشرقي والصوفي بمعنى من المعاني. فكر يضيق بالوجود المادي للأشياء. ويعتبر الوجود العيني صورة مضللة تحجب الحقيقة. وكذلك يفعل أحمد بوزفور عندما يقوم بفرك جلد القصة، وتفكيك مكوناتها. لا يطمئن أبدا، يفرك اللغة ويقلبها على أحوالها الفصيحة والعامية، يطهرها حينا ويهجنها أحيانا. يعاركها وتعاركه. ويكتفي من ذلك بالاجتهاد كأثر باق تخلفه معركته مع اللغة على جسد القصة الذي يصبح بدوره شفافا. بل أقول يصبح مشدودا لا يمكن اجتزاؤه أو خلخلته.

لا يعارك أحمد بوزفور اللغة بل يعارك البناء القصصي. في قصص يجعل المقدمة وصفية بلزاكية، أو طللية. وفي قصص أخرى نجد اشتغال القصاص أحمد بوزفور يعرك البناء ويقطعه تقطيعا. لكن الغريب أن الكاتب لا يضحي بالحكاية. يقلب الأبنية. يجرب كل الإمكانيات لكنه لا يهدم الحكاية. لا يهدم في الأصل جنس القصة القصيرة. لا يخرج بها إلى الشعر ولا يجنح بها إلى النص السردي المخترق للحدود. وهنا مركز قوة آخر.

البحث الذي يقوم به القاص في اللغة، والبناء ليس بغرض التدمير بل من أجل التطوير. وفي هذا قوة تميز واختلاف. ففي الوقت الذي مال كتاب كثيرون من مجايلي الكاتب وخلفه، إلى التجريب بمعناه التدميري التفكيكي مال أحمد بوزفور إلى التجريب بمعناه التطويري، والتطوري. وهناك فرق بين التحول المسخ الذي يخرج بالجنس إلى آخر، وبين التطور الذي ينمي الجنس دون أن يجرده من حقيقته الوجودية،دون مسخه.

فبحث الكاتب عن لغة محلية، وقصة محلية، وموضوعات محلية ولإنسانية، وشخصيات صوفية كمونية لم يكن سوى ذلك السعي إلى تطوير القصة. حبا في القصة. وإخلاصا لها. ولهذا لم تغر الكاتب أجناس تعبيرية أخرى سوى النقد القصصي الذي يدخل في صلب مشروعه الكتابي القصصي. ويدخل في تجربة البحث عن جوهر القصة القصيرة والمغربية خصوصا.

ويمكن قراءة قصص أحمد بوزفور ( في صياد النعام) من خلال الأفعال التالية، وباقتضاب شديد:

أحكي: عن عالم ضاج ومقرف، وأنا أبحث عن عالم ساكن منسجم. ولو داخل عالم الحكاية وفي فضاء الكتابة. على الصفحة البيضاء. أحكي عن عالمكم وأضمر عالمي.

أتذكر: الماضي، أيام الطفولة والشباب، لأن "الذاكرة هي محبرة القصة" يقول الكاتب. ويقول النص:" ذات ليلة، وكما كانوا ينصحونني، خرجت إلى (مراح) الدار لأبول قبل أن أنام.

وأنا أبول في الظلام والصمت والسكون،وأشباح الحكايات تحيط بي: تدفعني إلى الإسراع في البول لأعود إلى الدفء والأمان، وتزيد من إدرار البول في الوقت نفسه؛ سمعت فجأة صوتا غريبا..كان ينادي عليَّ..كان الصوت ينطق اسمي، ولكن بطريقة خاصة: تفصل بين حروفه وتمططها حتى يصير خيطا، وتصغره في الصيغة حتى يصبح عين إبرة..." ص (9).

أتخيل: الوقائع وأبنيها في مخيلتي. يقول النص:" أما أنا فأركب خيالي، وأسافر إلى كل الساحات والآفاق الفسيحة في العالم، ولكن شريطة أن أكون في مكان ضيق..لماذا أولع بالزوايا والممرات والعلب والصناديق والغرف الضيقة ؟ بينما يولع خيالي بالآفاق والسماوات ؟" ص (91).

أرفض: الكلام الكثير والحركة والضجيج. لأنها تجعلني "مسرنما" أسير على غير هدى. وأنا أبحث عن الجوهر/الجواهر. والكلام الكثير ثرثرة وكذب وحذلقة.

أحفر: سطح الحكاية/ النص بحثا عن المعنى البكر، المعنى الذي يخصني وحدي. وأغوص عليه في عمق اللغة، بفركها وغسلها وتنقيتها من القشور.

أشذر: بناء النص، وأوزعه مشاهد ومقاطع. لأن الواقع مشاهد متفرقة وليس وحدة متناسقة ومنسجمة أبدا. ولأن الذاكرة ليست سوى لحظات استرجاع منتقاة وليست تماما الانسجام والتناغم.

أكسر: اللفظة، وأوزعها إلى أحرف وأصوات متلاشية في الفضاء. ولو كان ممكنا محوها تماما كما ينمحي الوجود الحقيقي ليحل محله الأثر الذهني والنفسي. كما يرحل الإنسان هكذا ولا يبقى منه غير آثار مهشمة كالزجاج مبثوثة في الورق أو في ذكرى الآخرين.

أقطِّعُ: العبارة، والنص إلى فقرات وحدات، وإلى مشاهد. لأن الحياة كذلك مبتورة الأوصال. ولأن استيعاب الحياة لا يمكن أن يكون إلا مشاهد مبتورة. ولأن الكتابة لحظة تكثيف للمعنى، وتكثيف لصور ومشاهد الحياة، ليس الحياة كما هي بل الحياة كما نتخيلها.

ولعل ما يدعو إلى الحديث هنا عن "الكتابة البياض" أو "الكتابة المحو" هو تلك الكلمات التي يقسو عليها أحمد بوزفور فيفركها، بل يغسلها حتى من المعنى، عندما يقطعها إلى حروف وأصوات...وأصوات متلاشية في نقط. هنا يقوم أحمد بوزفور بصراع حقيقي مع اللغة واللفظة المستقلة. وقد يعبر هذا عن حاجة ملحة إلى غسل اللفظة مما علق بها من معاني "البديعيين" الجدد، أولئك الذين يثقلون الكلام بالقشور، ويغلفون الجوهر بالعرض.

تصبح هنا كذلك "الكتابة البياض" و "الكتابة المحو" امتدادا طبيعيا لحالة "الهبوط" التي تحيط بالشخصية القصصية. فكما تقوم الشخصية القصصية بالاستسلام، من الجهد والإجهاد فإن الجملة واللفظة من كثرة التقليب والبحث والفرك والغسل تتلاشي إلى صدى أصوات.

وإذا كانت كتابة البياض قد عبرت عن نفسها من خلال نقاط الحذف، وتقطيع النص إلى مشاهد وفقرات، وإلى تقطيع اللفظة إلى حروف ثم إلى أصوات فإن "كتابة السر" أو "الكتابة السر" قد ظهرت بقوة كحالة مميزة في مجموعة "الغابر الظاهر". أغلب القصص تنبني على "السر". أي أن الحكاية تقوم على شيء غير مفهوم، أو حدوث شيء غير متوقع، أو مفهوم. كما في قصة "ماذا يشرب الأطفال؟" ففعلة الطفل أطاحت بصرح الكبار، وأدخلتهم في دروب أخرى من النقاش غير الذي اجتمعوا من أدجله. وفعلته تلك عقدت لسان المتفوهين فترة من الوقت. لكن الطفل أخذ معه سره، ونام في حضن أمه مع ضحكة مدوية. كذلك في قصة "سبعة رجال". فالحكاية أحداثها تتحرك أمام عيني النادل/السارد. لكن الرجال الذين لم يهبهم الكاتب أسماء بل كنى عنهم بلباسهم ومشروبهم، كما فعل في قصة "الألوان تلعب الورق أو مصطفى وخديجة" من مجموعة "النظر في الوجه العزيز"؛ يدخلون ويجلسون ويأخذون ما يمنحهم الرجل "الفانطا" من هدايا، ثم يتصافحون ويغادرون بالتناوب، ليبقى "الفانطا" وحده كسرٍّ غيرَ معلن.

إن الكتابة كمفهوم وكسؤال هي مركز قوة أحمد بوزفور. ليست اللغة والبناء فحسب يدخلان في عراك مع الكاتب بل الكتابة كمفهوم وكسؤال يجب التفكير فيهما وإعادة طرح السؤال المعرفي والجمالي والنبائي حولهما. وقد عبر أحمد بوزفور في القصة الاستهلال في مجموعة "الغابر الظاهر" عن مفهوم "السر" بلفظ مقابل هو "العطش"؛ العطش الذي لا يمكن أن يُرْتوى. السر الذي لا يكشف عنه الحجاب. إن الكتابة في "الغابر الظاهر" كما يدل ويوحي العنوان، سر. والحكاية تنبني على هذا الشيء الكامن، الهامشي، الذي لا يمكن توقعه، ولا تفسيره. بل فقط يمكننا الوقوف أمامه مشدوهين حيارى بين التصديق والتكذيب. والقصة كذلك. تمنحنا المتعة لكنها في الآن ذاته تؤلمنا بفتح الجروح الغائرة في الذاكرة والحياة والكتابة.

ليست الذاكرة فقط محبرة القصة، بل الحلم والموت. في مجموعته "ققنس" يشتغل أحمد بوزفور على سرين آخرين هما: الحلم والموت. وهنا قوة كتابة أحمد بوزفور، حينما تشتغل على مكونات أسلوبية حينا، وتهتم حينا آخر بموضوعات هامشية أو مهمشة كالأحلام التي تعدها الكثير من الكتاب معادلا للكتابة بينما يجعلها أحمد بوزفور موضع سؤال، ومن ثمة طريقة في الكتابة. وأعني هنا الفرق بين تضمين الحلم في سياق الحكاية المركزية أو الحكايات الصغرى المصاحبة. وبين الحلم كمنطق لترتيب الأحداث، منطق يقوم على أساس كسر الحدود الفاصلة بين المجالات، مجالات الحكي، ومجالات القول، ووقوع الأحداث.

وكذلك نعني الفرق بين الموت كحل يخلص الكاتب من توليد الشخصيات، ومخلص من التوالي السردي. أي عندما لا يكون توظيف الموت في الكتابة خارج حقيقته الظاهرة؛ نهاية الأشياء الموجودة في واقع الحياة. والفرق بين الموت كموضوعة تطرح للتساؤل وتحت التفكير الإبداعي والقصصي. مصدر قوة الكاتب يكمن في استحضار كل أطراف العملية الإبداعية، كذلك الوسائل من لغة وخيال، وأيضا الحلم . ويستحضر الكاتب الموضوعات؛ ففي كل مجموعة موضوعة خالصة.

وأفضل في هذه المقالة الخاصة أن أختم بما سلف وكتبته حول مجموعة "ققنس" وهو ما يمثل بالنسبة لي امتدادا لما وقفت عنده، وتلخيصا لمصدر القوة عند أحمد بوزفور، كالتالي:" يكتب أحمد بوزفور قصصه بوعي المعلم والخبير. يَعْلم أن كتابا آخرين يقرؤونه بل يقتفون خطواته، خاصة الجيل الجديد. لذلك يكتب وفي كتابته يقول: القصة ليست اللغة فحسب، بل تفكير في اللغة باللغة. ويقدم اجتهاداته في نحت اللفظ، وفي توطين الدارج ضمن سياقات محددة، لا تخل بالفصيح، ولا تعتكف في محرابه. ولا ترفض الشعر بل تستوحي روحه وشفافيته. وفي كتابة القصة القصيرة كقصة، لها مضمون، وهدف، ومقصد، ووظيفة اجتماعية وتعليمية وجمالية وترفيهية، ولها مسار تتدرج فيه؛ أي لها حكيها الخاص بها. ينحدر نحو العمق ليحفر مسارا سريا لاكتشاف العوالم البعيدة والخفية. ولها أيضا مسارها الخطي المتمثل في التعاقب، والتطور، والتنامي الحدثي. وقد تستعمل القصة المشاهد المتقطعة لكن المتواشجة. ومن التقطيع القصصي في مجموعته "ققنس"، الهوامش التي وظفها كنصوص موازية، لكن أيضا كامتداد للحكاية الأصلية تفسيرا وتأويلا وتخيلا."

* ألقيت المداخلة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، عين الشق. تكريما للقصاص المغربي أحمد بوزفور. يوم الجمعة 19 مايو 2006م.

محمد معتصم

الناقد الأدبي

bozo

Publicité
Commentaires
M
تحميل قصة لمحمد بوزفور الله يرحم الوالدين<br /> إن كان بالإمكان.
Répondre
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité