Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
31 mai 2006

المحكي الذاتي والمحكي السير ذاتي، في رواية ملامح لزينب حفني

محمد معتصم

الناقد الأدبي

maati

المحكي الذاتي والمحكي السير ذاتي

1/ تشهد الرواية في المملكة العربية السعودية فورة جلبت إليها الأقلام، ولفتت نحوها الأنظار. ليس لأن الرواية جنس أدبي تعبيري حديث فحسب ولكن لأن الكتابة قد غيرت من مواقفها وخرجت عن الاحتشام، ودخلت في سياق التغيير والتحول العامين اللذين يطبعان العالم والبلاد العربية، وخاصة تلك التي عرفت بانغلاقها على ذاتها وحرصها الشديد على إقامة الحدود الفاصلة بينها وبين العالم الخارجي.

والأقلام الجديدة في المملكة العربية السعودية كسرت الكثير من الطابوهات والكثير من التصورات السائدة، سواء أ كانت أقلاما نسائية أو أقلام رجال. وفي هذه الدراسة أود التطرق إلى رواية صدرت حديثا بعنوان "ملامح" لزينب حفني، بعد روايتها الأولى " لم أعد أبكي".

2/ يعرف السرد على أنه متواليات حكائية وسردية، وهو ما يدل على أنه نظام متماسك مهما بدت عراه مترهلة حينا أو متداخلة في أحيان أخرى. وقد أبرزت الدراسات البنيوية خاصة مدى تماسك الحكي وانتظامه عندما أرجعته إلى عناصره البنائية الثابتة، سواء في حال التواتر السردي المنطقي الآخذ بالسباب الخارجية أو بالزمن الفيزيقي، أو في حال تكسير السير الفيزيقي بالانتكاس، والتوازي، والتداخل. وأهم تلك الثوابت: حالة البداية التي تعرف الاستقرار، وفيها يكون السارد أمام حال من تقديم عالمه الروائي للقارئ، وتمهيد الفضاء الروائي المتخيل أمام شخوصه الروائية. وأمام حال من توثيق الصلة بينه وبين القارئ الافتراضي الذي من أجله ستكتب الرواية وتروى الحكاية. وتليها الحالة الثانية التي تعرف حالة من الاضطراب وتَدَخُّلَ عنصر مشوش على الحكاية يكون محفزا للسرد على التواتر، ويساعد على اقتحام شخوص روائية جديدة أو يسمح لشخصيات روائية بالظهور كالمعيق أو المساعد (مفردا وجمعا). كما يساعد الأحداث على التطور والبروز. وهذه المرحلة عبارة عن وحدات (متواليات سردية) متعاقبة من الاختلالات والاضطرابات. أي أنها عبارة عن حيوية سردية. وهي جوهر الحكاية وصلبها. والمرحلة الثالثة الأساس تتمثل في عودة الأمور إلى نصابها. أي العودة إلى حال الثبات بعد العثور للاختلالات على حلول.

ويبقى الاجتهاد دليلا على خصوصية وخصوصية وحيوية الكاتب، مدى درايته بطرائق الحكي، والتأثير في المتلقي، والتحكم في عوالمه وشخوصه الروائية. ومعرفته بالقضايا التي يرغب في طرحها؛ أي تحكمه في موضوعه الجوهري. موضوع الرواية، وأبعاده الفكرية والجمالية والسياسية والذاتية...

3/ من خلال العنوان "ملامح" نستشف طبيعة الحكي في الرواية. فزينب حفني تقدم لنا هنا ملامح من العالم الآخر الخفي لما يقع خلف الأسوار المنيعة لمجتمعها. تلك السوار المنيعة التي رفعتها التصورات المسبقة والأحكام التي تم الترويج لها. عالم منغلق على ذاته. محافظ. متشدد في أحكامه. صام تجاه كل ما يخدش الحياء العام...

زينب حفني تقدم لنا الشخصية في هذا العمل الإبداعي، لا البلد. تود توجيه أفكارنا على النفسية المحرومة التي عانت من اليتم والقهر (حسين). والتي عانت من الخوف من الحاجة، واستبدت بها الرغبة في الوصول بكل الوسائل والوسائط (ثريا). والشخصية التي تعاني من الترف والوحدة والإهمال (نور). والنفسية التي تعاني من سلطة الإخوة وسطوتهم وجشعهم (هند). وشخصيات روائية أخرى مؤثثة للفضاء الروائي مكملة لمسار الشخصيات الرئيسية. لقد اختارت الكاتبة الحديث عن عالم مختل مضطرب، وعن شريحة اجتماعية منبوذة ومهمشة، لكنها موجودة وقد فرضت حضورها في المجتمع. وقد اختارت الكاتبة الحديث عن الشخصية لتقف بقوة على الأسباب التربوية والعودة إلى مرحلة الطفولة وتشكل الذات.

في هذه الرواية تقوم الساردة والشخصية المحورية (ثريا) بتشريح نفسية الإنسان المقهور الخائف، والرازح تحت ثقل الفاقة وحب الذات والوصول إلى مواقع المال والقرار. وعلى هذا الأساس يقوم الحكي الذاتي في الرواية على ثلاث محكيات أساسية هي كالتالي، حسب الأهمية:

·        محكي ذات ثريا.

·        محكي ذات حسين.

·        محكي ذات هند.

وإذا كان الحكي يقوم على ثلاث محكيات ذاتية فإنه اختار أن يتمظهر وفق صورتين؛ أولا محكي متوازي، كل شخصية تحكي عالمها، ودوافعها النفسية، والإكراهات الاجتماعية التي حاكت شخصيتها ونفسيتها. ويتمظهر ثانيا كمحكي تضميني. أي أن هناك حكاية مركزية هي حكاية (ثريا) وضمنها تظهر الحكايات الأخرى كتابعة، تبرز حسب الهيمنة والأهمية. وقد اخترنا منها حكاية حسين (الزوج/ والطليق)، وحكاية هند (المثلية) التي تعاني من الكبت الجنسي والأسري (الاجتماعي).

ولابد هنا من توضيح الفرق بين مفهومي "المحكي الذاتي" أو "محكي الذات" وبين مفهوم "المحكي السير ذاتي" كما سيوظفان هنا. والأمر بسيط جدا. لقد اعتمدت على المرجع المختلف بينهما. ما دام المحكيان معا يعتمدان على ضمير المتكلم (أنا)، وهو موضع التباس. فإن المرجع المعتمد يختلف. وبذلك يكون المحكي السير ذاتي يقوم على المرجع الخارجي، خارج الحكاية. وبالتالي تكون الحكاية تابعة له. أي حكاية المرجع الخارجي وهذا منزع الكتابة السير ذاتية. أما المحكي الذاتي، ومحكي الذات فإن مرجعه هو "المتخيل" أي الحكاية ذاتها كما تصورها الكاتب، وكما أرادها أن تكون وتتشكل في مخيلته. وهنا لا فرق بين الحكاية، ومرجعها الداخلي.

وهناك فرق آخر يتمثل في كون الزمن في المحكي السير ذاتي زمن انتهى، ويقوم السرد باستعادته من الذاكرة. وزمن الحكاية زمن الماضي القريب أو البعيد. في حين زمن المحكي الذاتي، ومحكي الذات (شخصية متخيلة، شخصية روائية) زمن لا منتهي، ولا يمكنه أن ينحصر في الاستعادة والاسترجاع، بل يمكنه التطور والتنامي داخل الحكاية ذاتها، كما يعبر عن حاضر الحكاية، ومستقبلها، في صورة استباق زمني...كما يبرهن على ذلك محكي ذات ثريا، ومحكي ذات حسين.

في رواية "ملامح" اختارت زينب أحمد حفني أن تسلم الحكي للسارد مباشرة. والسارد شخصية روائية. وهنا يبرز الفرق الدقيق بين المحكي السير ذاتي والمحكي الذاتي. فالأول مرتبط بالسيرة الذاتية التي يوافق فيها المؤلف الساردَ والشخصية، وتزول الحدود الفاصلة بينهم أو تكاد. بينما الثاني تكون فيه الشخصية الروائية ساردا. ولا تسردُ الحياة المتخيلة لشخوص الرواية الأخرى المصاحبة (محكي الذات: سرد سيرة شخصية روائية متخيلة داخل الحكاية بلسان سارد متخيل/ شخصية أخرى). بل تركز على سرد حياتها الشخصية/ حكايتها الشخصية. والفرق بين النمطين السرديين يتمثل في سرد محكي سير ذاتي خارجي مرتبط بالسيرة الذاتية على اعتبار أن الحكاية المروية للمؤلِّف الواقعي. بينما يتمثل الثاني في سرد محكي ذاتي داخلي مرتبط بالسارد الشخصية الروائية.

ونوضح ذلك كما يلي:

·        المحكي السير ذاتي: (أنا) مرجعها خارجي (الواقع). يحكي المؤلِّفُ سيرته الذاتية الواقعية. (الأيام) طه حسين، (في الطفولة) عبد المجيد بن جلون، (الضريح) عبد الغني أبو العزم، ...

·        المحكي الذاتي: (أنا) مرجعها متخيل داخلي (الحكاية). تحكي الشخصية سيرتها المتخيلة. شخصية (ثريا)، وشخصية (حسين) في رواية "ملامح".

·        محكي الذات: (أنا) مرجعها داخلي (الحكاية). تحكي شخصية روائية سيرة شخصية روائية أخرى مصاحبة لها. شخصية (هند)، و (نور)، (إقبال) ...

4/ اختارت زينب حفني بداية الحكي من لحظة الاضطراب أو بالأحرى قمة الاضطراب التي يبرز فيها (الحل) وليس الحل سوى لحظة الطلاق، وتقاسم الطرفين حصيلة الصعود من الفقر نحو عالم المال والسلطة.

ويستمر المحكي الذاتي لثريا على زمنين؛ زمن استرجاعي يعتمد كليا على الذاكرة، ليوضح الأسباب والدوافع الاجتماعية والنفسية التي تقوم عليها شخصية (ثريا). ولهذا تتدرج رواية "ملامح" ضمن رواية الشخصية. والزمن الثاني، زمن الحكاية الحاضر المستمر الذي يرافق (ثريا) حتى لحظات وفاتها. يقول النص في الصفحة الأخيرة:" دخلت الخادمة صباحا، لتعطي سيدتها دواءها كالمعتاد، وجدتها راقدة على وجهها، في الممر الفاصل بين غرفتها ودورة المياه. اتصلت سريعا بطبيبها، كان قد مضى على موتها بضع ساعات، كتب الطبيب في تقريره الشرعي:" سبب الوفاة، سكتة قلبية، وقد وافتها المنية عند الثالثة فجرا". قدرت ثروتها بملايين عدة، عادت جميعها لأهلها." ص (160).

ومحكي ثريا يندرج ضمن المحكي الذاتي أو الاعتراف. تحكي فيه (ثريا) عن اللحظات الهاربة من المراهقة التي تصاحبها حالة الفوران و"العصيان" كما يرى المربون، والتمرد. وأول ما يتم التمرد عليه الأسرة وقيمها وحدودها، والمجتمع بقيمه وشروطه الصارمة. خاصة إذا كان المجتمع الذي تحكي عنه الرواية مجتمعا محافظا تعامل فيه المرأة معاملة "الرقيق". لذلك تعرفت رفقة (نور) على مكان للاختلاء بصديقيهما. وتصف الساردة أول لقاء كالتالي:" كان الشاليه صغيرا يطل على البحر مباشرة، شعرت بالاضطراب وأنا أرى فؤاد يتمعن في وجهي وقوامي. خلعت نورا عباءتها، طلبت مني أن أخلع عباءتي أيضا، ترددت، سحبتها مني وهي تطلق ضحكتها الرنانة. وضعت كفي على وجهي حياء. قالت بدلال: ثريا، هيا، لا تكوني كالأطفال. ثم نادت فؤاد متابعة: فؤاد، أنت عليك الباقي. سحبت خالد من يده وتوارت." ص (28).

يمتد المحكي الذاتي لثريا على مساحة الحكاية، تسترجع فيه ماضيها؛ طفولتها ومراهقتها قبل الزواج في الفصل الأول. وتسترسل في حياتها داخل زمن الحكاية بعد الفصل الثاني الذي خصصته الرواية للمحكي الذاتي لشخصية (حسين). هذا القسم السردي منح الحكاية زمنين؛ زمن الاسترجاع والذاكرة. وهو زمن الماضي المنتهي في الواقع، والمستمر في الذاكرة. المستمر في الحكاية كذلك. في صورة التحيين عبر قنوات التعليق والتوضيح والتفسير. ويتجلى ذلك في غاية الكاتبة المتمثلة في الوقوف بقوة على الدوافع النفسية، والأسباب الاجتماعية والفكرية التي شكلت الصورة الذهنية والتركيبة النفسية والسلوكية للشخصية الروائية. وهنا تسترجع (ثريا) الصراع القائم بينها كنفسية وكطموح، وبين ثقافة والديها المحافظة (الخائفة، الرادعة، المحذرة)، وبين قيود المجتمع الهشة المتناقضة التي تميل إلى الاختفاء والتستر، وتغض الطرف عما ليس واضحا فاضحا.

والفصول المتبقية عبارة عن متواليات من الأحداث، يبني عبرها السارد جوانب حياة (ثريا) بعد الطلاق. وفي ذلك محاولة لترسيخ عقيدة الشخصية. لأنها لم تتخل عن طموحها، ولم تتراجع عن أسلوبها في العيش، في الوصول إلى غاياتها. بل عبرت عن خوفها الشديد من الوحدة والفاقة والعوز، فطورت من خبراتها وخياراتها في الحياة.

5/ يروي (حسين) الظروف التي عاشها بعد وفاة والديه في حادث الحريق. والمعاناة التي عاشها في كنف عمه. والحقد الذي تربى داخله جراء تزوير العم الوثائق للاستحواذ على حق أخيه الهالك، ومن ثمة ابن أخيه.

في رواية "ملامح" تركز زينب حفني كثيرا على تحليل البعد التربوي للشخصية الروائية. وكأنها تربط بحبل وثيق الصلة بين رغبات الشخصية والحاجات النفسية والجسدية والاجتماعية التي كبتت في الباطن. تسترجع (ثريا) طفولتها وتفاني والديها في إسعادها وإخوتها قدر الاستطاعة، لكن النفس الطموح إلى الخروج من دائرة الفاقة والفقر، والرغبة في ولوج عالم الغنى والترف جعلاها تتجاوز كل المحظورات وتتوغل في عالم المغامر. ولابد من شخصية مساعدة، مثل شخصية (نور) في سن المراهقة، وشخصية (حسين) الزوج الذي يطمح للارتقاء لكن على حساب دفن المبادئ الأساس كالكرامة والغيرة.

ويفسر حسين كل ذلك الطموح والتجاوز بآلام الحرمان التي عاشها في طفولته. والملاحظ حول الشخصيات الروائية في "ملامح"، ومنها طبعا، حسين، أنها لا تعرف، وهذا الفعل يتكرر في النص الروائي كثيرا وعلى لسان شخصيات مختلفة.يقول حسين:" لا أدري هل التخمة، الشبع، حياة الترف، هي التي ولدت عندي إحساسا بالنفور من ثريا؟.." (88). أيضا:" لا أدري هل كنت، من خلالهن، ألملم رجولتي المبعثرة التي أهدرتها بيدي، أم أنني أفعل هذا لأنسى آلامي..." (89). ويقول حسين مثلا:" لا أعرف لماذا خطر على بالي جميل، ذلك الفتى العشريني..." (92). يقول كذلك مؤكدا:" لا أعرف! أو عدت لا أريد أن أعرف." (94). ثم إنها شخصيات مضطربة يسكنها الخوف وعدم الثقة بالنفس. وهناك أمثلة كثيرة تدل على ذلك في سياقات مختلفة من الرواية.

وشخصية حسين مهمة ومركزية أيضا، وبالتالي لا تختلف عن شخصية ثريا. فكلاهما وجد ضالته في الآخر، غير أن نهاية كل منهما كانت مختلفة. لقد أصرت ثريا على طريقها لحماية نفسها وتلبية حاجاتها. بينما تألم حسين من وطأة الضمير، وغير مقامه وتزوج أخرى، وأنجب منها ابنا سماه على اسم ابنه من ثريا كما لو كان يرغب في تبديل مسار حياته. ومن النصوص التي يلوم فيها نفسه وثريا في آن ما يلي، مثلا:" كل ما أعرفه، هو أن شعورا غريبا اجتاحني، وأصبح يسيطر على وجداني، فبت أقرف من كل ما فيها، صوتها، رائحتها، مظهرها، وهذا ما جعلني أرحب باقتراحها النوم في جناحين منفصلين. كنت قد بدأت ألاحظ في عينيها، هي الأخرى، وميض الاحتقار يخبو ويضيء فيهما، متى تلاقت نظراتنا. بل غدوت أشعر بأنني أعيش مع مومس تحت سقف واحد. أصبحت ألومها في قرارة نفسي، أصب جام غضبي عليها، أنها من أوصلني إلى هذه الحال. أعاتبها بأسئلتي في خيالي: لماذا لم تحمني من أطماعي ؟ لماذا لم تحافظي على رابطة زواجنا ؟ لم رضخت لما أريده، حتى لو أدى بك الأمر إلى طلب الطلاق، لتبقي على كرامتك." (88).

6/ في إطار الحديث عن العوالم السرية، وفي إطار الكتابة الكاشفة التي تسلط الضوء القوي على المناطق المعتمة في المجتمع المحافظ الذي شكل أسطورته الخالصة لعقود طويلة، تختار الكاتبة عالم النساء، عالم المرأة. وتعد المرأة حلقة محورية في الكتابة عند زينب حفني، وكذلك عند غيرها. فالمرأة مجال خصب وحي يمكن عبره قياس درجة التطور والتحرر والديمقراطية في المجتمع. وقياس درجة التسامح والتعايش بين الجنسين.

من إفرازات القمع والتهميش وحرمان المرأة من حقها في الحياة الكريمة والحرية، خروج المرأة عن سلطة القهر بالسلوك الشاذ، وقد اختارت زينب حفني الحديث عن الحياة الخصوصية للمرأة، وعن المثليات. وقد كتبت في المجال كذلك حنان الشيخ في روايتها "مسك الغزال" عن الموضوع ذاته حينما كتبت في روايتها قصص أربع نساء، ومعاناتهن. ولم تهمل الحديث عن المثلية كمظهر من مظاهر التهميش والحرمان والقهر الاجتماعي للمرأة.

فالإخوة، طمعا في الإرث، يتغاضون عن شذوذ أختهم (هند)، ويحبون الحفاظ على ممتلكاتها، والاستحواذ عليها، بدل أن تذهب إلى زوج (غريب). هنا تكمن عقدة هند ومأساتها في آن. تقول (هند):" أحيانا وأنا أنظر في وجوه إخوتي، يحيرني سؤال غبي، إن كان لديهم علم بعلاقاتي المثلية. أستخف من سذاجتي. بالتأكيد هم يغضون النظر ما دام ميراثي بخير، بعيدا كل البعد عن متناول رجل يطمع في الحصول عليه." ص (130).

من خلال محكي (هند) تشرح الكاتبة الحالة النفسية والاجتماعية للجماعة (الفئة). وأقصد الإخوة. عندما تصبح المصلحة المادية أهم من القيمة الأخلاقية والأخوية (آصرة الدم). كما يبرز المحكي الذاتي لهند عن حالة متفشية في الأوساط المحافظة التي تضيق الخناق على المرأة. ومن الممكن أن يكون هذا التوصيف رد فعل من النساء الكاتبات عن تباهي الرجل بمغامراته خارج البلاد. ممكن. فتلجأ المرأة إلى الحيلة والخدعة كرد فعل، وكوسيلة لتبرير السلوك غير السوي.

7/ في رواية "ملامح" لزينب حفني تبقى شخصية (ثريا) محورية لأنها تكتسح الفصول جميعا، ونتابعها من مراهقتها بالاسترجاع إلى شبابها ونهايتها (الموت) بالسكتة القلبية. وتليها شخصية حسين لأنها شخصية تم الاعتماد عليها في بناء الفصل الثاني من الرواية. وخصص لها هذا الفصل – وهو فصل طويل ويوازي الفصل الأول الخاص بثريا – لبناء محكيها الذاتي. وتأتي هذه الأهمية كون (حسين) كان من سرد المزدوج الأدوار والوظائف فهو "مساعد" حينما دفع بطموح ثريا إلى أقصاه، وساعدها على تحقيق رغباتها في الوصول إلى الثراء، وتلبية رغباتها الجسدية. وهو "البطل المزيف" أيضا عندما قرر من جهته الانسحاب من اللعبة والتوبة، والهروب إلى لندن والزواج بفتاة صغيرة أنجب منها طفلا سماه (زاهر). وكأنه يريد أن يمحو التاريخ السابق، وأن يلغي الذي فات، وإن بنى عليه ثروته الكبيرة التي أخرجته من محيط الفاقة والعوز، وبنى عليها كذلك اسمه في عالم الأعمال. يقول النص:" حسين أصبح من رجال الأعمال البارزين في لندن، حصل على إقامة دائمة، تزوج أخيرا بسكرتيرته الإنجليزية، التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، أنجبت له صبيا سماه زاهر." ص (160).

أما الشخصيات الأخرى التي ستظهر في مرحلة ما بعد الطلاق فإنها جميعها  "شخصيات مساعدة" تطور الأحداث وتنمي السرد نحو نهايته. أما شخصية المعيق فهي شخصية (زاهر) الابن العائد من الأردن أكثر عزلة ثم انخراطه في الجهاد ضد الروس في أفغانستان وضد الأمريكيين في العراق حيث لقي حتفه هنالك. لكنه "معيق" غير فاعل، سالب لأنه فضل الهروب والعزلة. يقول النص:" نهضت من نومي باكية، ضغطت على جرس المناداة، خضرة الخادمة مهرولة، سألتني هل أرغب في شيء، طلبت منها أن تحضر لي حالا ولدي زاهر، نظرت في وجهي باستغراب، قالت: سيدي زاهر مات قبل أكثر من سنة. صرخت: زاهر مات، كيف مات ؟ أنت كاذبة.زاهر سيعود.

حدث هذا عام 2003، بعد احتلال أمريكا للعراق، قتل مع عدد من رفاقه، بقذيفة أمريكية، مزقتهم أشلاء، وهم يحاولون التسلل إلى داخل الحدود العراقية. كان زاهر قد مكث في أفغانستان ثلاثة أعوام، عاد بعد مدة وجيزة من خروج الروس، عاد بشكل آخر، رافضا العيش في بيتي، بحجة أنني لا ألتزم تعاليم الإسلام، لم أحاول ممارسة الضغوط عليه، اختار المكوث لدى أحد أصدقائه، من الذين كانوا معه في أفغانستان. أصبح يتسبب لي بالمشكلات، كلما زارني..." ص (158).

والملاحظة الأهم أن شخصيات رواية "ملامح" شخصيات "لا تعرف" و "لا تتذكر"، ثم إنها شخصيات منطوية على ذاتها تميل إلى العزلة وتبتعد عن مخالطة الناس ومشاركتهم. مما يدل على وجود خلل في المنشأ والتربية والتكوين. وهذا البعد يعتبر محركا قويا للأفعال والشخصيات الروائية في رواية زينب حفني "ملامح".

·        زينب حفني. ملامح. رواية. دار الساقي. الطبعة الأولى. 2006م.

محمد معتصم

الناقد الأدبي

المغرب

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité