Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
29 août 2006

المثقف بين أحلام التغيير وعزلة الهامش

الرؤية الفجائعية في الأدب العربي:

المثقف بين أحلام التغيير وعزلة الهامش

Photo_001

*بقلم: جمال الموساوي

       المغرب

هل جسد الأدب العربي خلال القرن الماضي الصدمات التي توالت على العالم العربي؟ وهل استطاع أن يفي بعكسه لواقع مرير مطبوع بشتى أنواع المآسي وألوان الخيبات؟

لقد تعاقبت الحروب والهزائم، وارتفعت الأصوات بشعار تلو شعار تعلن مطالب وتندد بهزائم وخيانات، لكنها عادة ما تنتهي الى الخرس دون أن يحدث أي شيء. المجتمعات العربية تتكيف مع واقعها الجديد وتخلد الى نفسها في انتظار خيبة جديدة. وانعكس هذا الوضع على الكثير من مجالات الحياة في البلاد العربية: ما من مواقف صلبة على الأرض، ثمة فقط مواقف لأناس يقيمون في الخطاب لايغادرونه الى الممارسة، ولذلك لا أثر لهم في حياة الناس، وفي همومهم وفي مآسيهم الحقيقية، ولعل لهذا السبب، صار المثقفون والمبدعون أكثر عزلة وأقل حضورا في أذهان الناس ووجدانهم.

لكن مع ذلك فإذا توخينا بعض الموضوعية فسنتساءل عما هو مطلوب من هؤلاء المثقفين الكتاب والمبدعين. ما هو دورهم بالتحديد في مجتمعات يرين عليها كل ما ذكرناه من الفواجع والمآسي والهزائم ـ إنه سؤال، كما نتصوره، مؤلم جدا، بيد أنه أساسي مادام يشكل طريقا الى البحث في وعن دور الأدب والإبداع الأدبي تحديدا في الحياة، خاصة مع دخول العالم الى عصر آخر يشهد اجتياحا معلومياتيا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. عصر يبدو شرهاً ومستعداً لابتلاعِ القيم التي فَضلتْ عن صراعات التطور في العالم بما في ذلك الأدب. فأي دور إذن يمكن أن يلعبه هذا الأخير في قلب هذه الانهيارات التي أسفرت عنها سيرورة التقدم. الانهيارات التي لم تترك من الكائن ذي الأحاسيس غير بقايا وشظايا. وهل يمكن أن يكون الأدب وسيلة فعالة تساعد هذا الكائن على المقاومة وعلى البقاء؟

ينقلنا الناقد الأدبي المغربي محمد معتصم إلى عمق هذه الأسئلة المؤلمة. الأسئلة التي قد يطرحها المشتغل بالأدب بينه وبين نفسه وهو يستشرفُ مأساته ومأساة المجتمع الذي يعيش فيه ويستنفد فيه عمره، ويحاول معتصم في كتاب «الرؤية الفجائعية: الأدب العربي في نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة»*، أن يقدم أجوبة لهذه الأسئلة انطلاقا من مجموعة من الأعمال الروائية العربية تنتمي إلى مختلف الأقطار العربية وصادرة عن كتاب من أجيالٍ متباينة. ولعل اختيار نماذج إبداعية بهذه الطريقة مقصود في حد ذاته لتبيان أن ما اصطلح عليه بالرؤية الفجائعية تشكل مشتركاً عربياً «يتوارثَهُ» الإبداع في العالم العربي وينقلها جيلٌ لآخر، تماما كما تُنقل الجيناتُ الوراثية ، وهذا واضح من قول الكاتب «يلاحظ أيضا أن جيل السبعينيات صعد الصورة الى حد باتت الأجيال بعده تنظر إليه كمسيح صغير مصلوب نداء لآلام الأجيال السابقة عليه والأجيال اللاحقة» لتترسخ كـ «موقف فكري  وإبداعي من مرحلة زمانية كان فيها النهوض كحمل كاذب زاد من ثقل الشعور باليأس في الذات/الذوات العربية » ص 14 وهي مرحلة مستمرة على كل حال.

يعمل محمد معتصم على تتبع هذا الموقف لدى ثلة من الروائيين العرب، راصدا كيف اختار كل واحدٍ تصريف هذا الموقفَ؛ ذلك أنه بالرغم من كون الرؤية الفجائعية حاضرة في كل هؤلاء إلا أن الحدث الروائي الذي اصطفاه كل واحد منهم لتجسيدها مختلف.

VisTrag

فالهزيمة متنوعة والخراب متعدد والمأساة متشعبة وإن أدت جميعها في النهاية الى ذات الإحساس بالاحباط واليأس والضياع. فهناك هزيمة الوطن وهناك هزيمة الذات. الذات في مواجهة رغباتها وهواجسها الصغيرة والوطن في مواجهة أعدائه، في الداخل والخارج، ومؤامراتهم. الذات المثقفة وهي ترى أحلامها في حياة أفضل وفي بناء مجتمع حداثي تتهاوى وتنهار، والوطن وهو يرى أحلامه في التقدم والسلام والكرامة تتحطم بفعل الحروب الخارجية وصراعات الداخل حول السلطة والثروات. وبهذا تكون الفجيعة شاملة مادام أن الوطن في النهاية هو الناس، هو مجموع الذوات التي تشكله أي المواطن العادي والمثقف والسياسي وغيرهم، ولكل واحد من هؤلاء هزيمته التي تصب في الهزيمة الكبرى، هزيمة الوطن، ومن هنا يكون الإحساس بضغطها مضاعفا، لكن إحساس الكاتب والمثقف يظل أكثر إيلاما وأشد مضاضة.

وإذ وصلنا الى هذه النقطة الأخيرة، فإن ما يفعله معتصم وهو يجوب الروايات التي انتقاها لدراسته، إنما  هو رصد تحولات المثقف في المجتمعات العربية، وصيرورته الجسدية والنفسية. إن المثقف العربي ظل في القرن الماضي مشدودا الى أفق من السوداوية بحيث «لايرى أفقا مفتوحا على التغيير الى الأفضل وأن الحال يتردى ويتقهقر منتكسا» ص 23.

من هنا، فإننا، ربما، بدأنا نتلمس الطريق الى الأجوبة حول ما إذا كان الأدب العربي المعاصر يعبر فعلا عن الواقع وعن دور المثقف ومكانته في هذا الواقع. ذلك أن المؤلف ومن خلال النماذج الروائية المنتمية الى بلدان عربية مختلفة يتتبع خطوات المثقف وهو يتدحرج من خيبة إلى أخرى ومن حصار لآخر إلى أن ينتهي به المطاف غارقا في سديم من الضياع، ودخانٍ من الأحلام المجهضة. مهما كانت هذه الأحلام، كبيرة أو صغيرة، ذاتية أو جماعية.

يشهد الناقد محمد معتصم، وهو يستقرئ الأعمال الروائية، بانحسار صوت المثقف العربي في مواجهة الكثير من التحديات، وهذا الانحسار تواطأت فيه عوامل عدة، ذاتية وموضوعية، أدت في الأخير إلى تغيير موقع المثقف من الداعي إلى التغيير إلى المستسلم المتقوقع بعد أن لم يجد لكلماته وأفكاره صدى، بل سوطاً وتعذيباً وتهديداً، فكف أن يكون فاعلا بالرغم مما يحمله من أفكار. «لأن الأفكار وحدها، كما يقول المؤلف لايمكن أن تفعل ما لم تنتقل من حضورها القوي في الذهن والأوراق إلى الحضور الفعلي والفاعل في الحياة العامة وسلوك الأفراد والجماعات» ص 15 .

لقد دافع المثقف العربي عن الحرية على تعدد تجلياتها ومجالاتها حرية الوطن، حرية المرأة، حرية الاعتقاد.. وعن الديموقراطية والقيم الحداثية الأساسية للدخول إلي العالم الحديث وعن التسامح والتعايش في ظل الاحترام المتبادل للأعراق والأديان، لكنه واجه دائما كتلا من الليل مظلمة، فلم يتبين طريقه وبقي بالتالي في رحيل أبدي، رحيل في الخارج وفي الداخل، في الخارج بين المنافي والسجون ومناطق الهامش، وفي الداخل، أي داخل أعماقه، باحثا عن أحلامه التي تحولت إلى نوع من الحنين القاسي المعذب، والذي قد ينتهي به إلى الاغراق في التسكع والخمر في انتظار مصير أكثر فجائعية إما الجنون وإما الانتحار في بعديهما المادي والرمزي.

وسواء في «هلوسات ترشيش» لحسونة المصباحي أو «يقين العطش» لادوار الخراط أو «جنوب الروح» لمحمد الأشعري أو «سلالم الشرق» لأمين معلوف أو «سيدة المقام» لواسيني الأعرج أو «الميراث» لسحر خليفة أو في باقي الروايات المعتمدة، يعمل محمد معتصم على رصد مسارات ومصائر الكائنات التي «تبدأ ضعيفة وتتقوى ويشتد عضدها فتضعف مجددا ثم تتلاشى وتموت» ص 41 ، وطبعا ليس أي كائنات، كما أن الموت هنا حاضر ببعديه المادي والمعنوي أيضا، وهكذا يهتدي المؤلف خطوة خطوة إلى عمق فعل الكتابة، بما هو بحث عن خلاص وعن تطهير، أو ليست لكتابة في جانب هام منها فعل تطهير؟ ما الذي يفعل الكاتب عندما يفضح الظلمويصرخ في وجهه ويتحداه، وما الذي يفعله عندما يدعو إلى الحرية ويرفع صوته/ قلمه مناديا بالتعايش والتسامح والمحبة ونبذ العنف والارهاب، في كل تجلياته وأشكاله؟ ألا يعلن عن رغبة في التطهير. وفي المقاومة؟ وهذا كما يقول المؤلف بصدد الحديث عن رواية «سيدة المقام» لواسيني الأعرج، عندما «تأخذ الكتابة معنى الملاذ،  حيث «الذات تشعر بالخطر وتحس أنها محاصرة ومرفوضة ومع ذلك تقاوم التحلل والتفسخ من خلال الممارسة والإصرار على البقاء بالتدوين والتقييد وبتهريب الواقع الخارجي والأشياء الجميلة الحبيبة إلى النفس إلى رحاب الكلمات» . ص 129

إن البحث في فجائعية الأدب العربي هو بحث في فجائعية الواقع العربي نفسه، هذه الفجائعية التي حولت الكاتب والمثقف إلى كائن محاصر تكاد رأسه تتدلى وتنتكس، وكتاب محمد معتصم يرصد، من خلال اعمال روائية لأسماء عربية وازنة الحد الذي بلغه تأثير فجائعية الواقع في الأدب العربي المعاصر.

-------------------

*  «الرؤية الفجائعية : الأدب العربي في نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة» منشورات الاختلاف سلسلة كريتيكا  الجزائر ط 1 سنة 2003

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité