Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
6 décembre 2008

قراءة في رواية /رفيف الفصول

Rafifolfosolصدر عن مجلة الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة العدد 17
الذي خصصت دراساته حول رواية رفيف الفصول للكاتب

محمد المعزوز، وهي الرواية الفائزة بجائزة المغرب للكتاب

دورة 2007 وتسلم لأصحابها في احتفال رسمي عند

افتتاح المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء العاصمة

الاقتصادية وأكبر مدن المغرب. وقد توزعت الدراسات بين مقاربات فلسفية

ساهم فيها كل من: عبد العزيز بومسهولي وعبد الفتاح الزين

وإدريس كثير ومحمد حجاوي، وحميد عبيدة

أما المقاربات الأدبية، فقد ساهم فيها : رجاء الطالبي التي

ننقل مقاربتها رفقته، وجمال بوطيب ويونس الوليدي والحبيب الدايم ربي

وعبد المالك أشهبون

وتنبغي الإشارة إلى أن العدد قدم له أحمد شراك مع كلمة لمحمد شويكة

ومن تنسيق إدريس كثير


رجاء الطالبي

قوة الملاك

يبدأ محمد المعزوز روايته بإهداء يقول فيه:" أسعفني أيها الوجدان حتى أرسم بمداد القلب العالم الذي أحلم به". وأطرح السؤال انطلاقا من هذا الاستهلال، هل تمكن الروائي من خلال عمله هذا أن يرسم حقا بمداد القلب العالم الذي يحلم به، ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر منبثق من طبيعة الطلب أو الحلم في حد ذاته وبأداة تحقيقه وهي مداد القلب والوجدان التي هي كما نعرف طريق المتصوفة للوصول إلى الحقيقة وتحقيق حلم الوحدة والعالم الذي يحلمون به. فنحن لا نحلم ببناء عالم إلا إذا تعذر وجودنا في واقع الصعوبة والاختناق حين تتهاوى القيم وتضحي الحياة مستنقعا تعيث فيه حشرات همها هو امتصاص وتخريب كل جميل وتعميم قيم جديدة تنبني أساسا على الانتهازية والوصولية والسخرية من كل أصيل.فهذا الطلب ناتج عن ذات متوحدة تحس بالعزلة والاختلاف وسط جموع لا تحسن سوى إنتاج الموت وقيم الضعف والانكسار. فالرغبة المحفزة للكتابة تتجلى في بناء عالم يتعالى ويسمو عن ذاك الذي نعيش فيه. يقول فتحي المسكيني في كتابه " فلسفة النوابت" في إطار طرح سؤال : من هو المتوحد؟ وماهي فلسفة المتوحد؟" يقول" المتوحد هو المنفرد بنفسه ، الذي جعل فرادته هيئة لوجوده . فما يتفرد به هو ما يتوحد لأجله. ولأنه لا يعاني من وحدته هو فيلسوف. إن مهمة وجوده هو تهذيب الوحدة بضرب خاص من الوطن وذلك هومعنى التوحد. غير أنه يحسن بنا أل نظن بالتوحد أنه مجرد حنين إلى وطن لا وجود له. فالتوحد صفة حنينية قد تصيب المفارق للجماعة. كذلك هو ليس فشلا يائسا في البقاء في عصمة الجماعة . إن المتوحد هو غريب الرأي، وتوحده هو تدرب عسير على الإقامة على حدود وطن عقلي هو مطالب سلفا برسمه لنفسه في كل مرة.إن التوحد فن مخصوص يعيد ترتيب العلاقة بالمكان، لأنه ينطلق من ضرورة حاسمة لإعادة رسم معنى. إنه توزيع جديد تماما في كل مرة لارتسام مواضع جدد، وطوبيقا لا ذاكرة لها غير ما يفلح الفيلسوف في إنشائه بنفسه"* أتساءل من جديد هل نجح الوجدان ومداد القلب في رسم العالم المحلوم به؟ هل نجحت الرواية في تدبير وطن للإقامة يكون القلب بدل العقل هو المدبر الأول لهذه السكنى؟

تفتتح رواية "رفيف الفصول" عالمها الروائي بحالة نفسية هي مزيج من القلق النشيط تمنح الذات إمكانية مراجعة نفسها وتجاربها في الحياة.قلق يعري الكائن من أوهامه التي يحتمي بها ليرى إلى حجم المأساة وهول ما حدث. يقول " ...هو إحساس قد التبس بكل المشاعر الممكنة والمستحيلة.. لم أتبين وجه قلقي المورى خلف أصباغ مثولات بائرة ، قلق أقرب إلى العدم يناهش ما تبقى من حبات المبتذل الواضح .." إن القلق يجرد الإنسان من إمكانية الاعتماد على غيره في فهم نفسه وتفسير وجوده كما اعتاد أن يفعل من قبل حين كان ضائعا مستغرقا في حالة السقوط في العالم. ويحيله إلى ذاته ويضعه أمام وجوب معرفة الحياة معرفة حقيقية مستوحاة من كيانه الأصيل. إنه يعزله ويعيد له فرادته المفقودة . القلق حالة ممتازة وشرط أساسي لاكتشاف حقيقة الإنسان لأنه ينفيه ويؤكد على صفة الغربة والوحشة المميزة له. ويظهره على أنه الآخر الواقف بمواجهة عدم هو قبل كل شيء عدم اكتماله هو ككائن.

تشخص رواية " رفيف الفصول" مناخا عدميا ، تفتقد شخصياتها إلى إمكانات الولادة والاختلاف واختراع زمن خاص بها يتعالى على واقع الموت والهوان الذي تغرق فيه.لقد فقدت كل شهوة للحياة والدفع بالجسد إلى أقاصيه لاختبار ممكناته. فذروة الحس العدمي تنكشف أمام عودة المعز بن نوالي من المهجر واكتشافه الواقع المتردي الذي آلت إليه مدينته وجدة يقول : " هذه المدينة، ، الآن تغرق في ظلام طويل ، تقتات من حسائه المر وترتدي غيمة الزمن المغلق...تجتر جمر الجموح شهادة على مهوى الإنسان في قيعان الجحيم،أو شهادة على توقف الزمن أو تلاشيه في دورة العبث المقيت.... كلما رغبت في الخطو أو الركض لنسيان ما رأيت، وجدت رجلي منغرستين في حلكته القاسية أو ضائعتين في همساته الحارقة. فبأي معنى أعبره مكتفيا بالألم والتحسر؟ أو بأي معنى استسلم لخرابه دون امتطاء وهج القلب بحثا عن زمن الضوء المتكوم في الغياب؟

وأنت تقرأ رواية "رفيف الفصول" لا يمكن أن تفلت من بئر مظلمة تداهمك بها الكلمات المثقلة بمرارتها وبعالم الرواية المعجون من رماد عالم منهار يمشي نحو نهايته. كماشة المرارة تقبض على قلبك فتحس بالاختناق كلما تقدمت تحفر كلماتها عالمها بعيدا في بئر أحزانك فتصحي وحش الخسارة يعوي في دمك الممرور.رواية تمسح الأصباغ المجملة لمأساة العيش.فالسارد وهو ينتقل بين أزقة وبيوت مدينته يلتقط ما آل إليه الوضع من تردي وتقهقر على جميع المستويات.فكل ما يشكل حياة الناس في الزمان " اليومي" موسوم بالموت ، وكأن العدمية تاريخ سري للناس والأشياء. تتغير ملامح المدينة، يتغير الناس، تتغير القيم، تسود الظلمة، يلتهم الفقر ملامح الصحة وتنحدر شخصيات الرواية أغلبها نحو التشوه ، الجنون ، الإعاقة تجري مياه المرارة في النفوس تطغى على كل إحساس بالصحة والضياء. فتغدو الحانة هي الملاذ أو المقبرة التي تنيخ عندها أجساد أتعبها العيش والتشوه الذي طال الواقع، تحتمي بالشرب عله يحملها بعيدا عن قساوة الواقع يقول:" انحدرت خلف الشارع الرسمي عبر زقاق ضيق حيث هناك بار " سانت كلير" متثاقلا من غير أن أعبأ بأي أحد وفي زاوية منعزلة ، اقتعدت كرسيا من خشب متكئا على طاولة عجوز تحبل بآلاف الحكايا والأحداث"

وجدتني مباشرة أمام وجوه قد ارتخت قسماتها بكاريكاتورية محزنة ، وجوه قد حفرت فيها قساوة الأيام أعمق الأخاديد الناطقة بأوجاع الداخل... أصوات مرتفعة في كل اتجاه وقهقهات مهزومة يتساقط منها الأسى صامتا في تكتم.." ، جميع أبواب الخلاص مغلقة ولا تملك أن تمنح للذات ملاذا لا يملك الحب ، ولا السياسة ، لا العمل النضالي أن ينتزع الناس من السقوط الذي أدمنوا التهاوي فيه ، وما ذلك إلا لغياب القيم التي يمكن أن تمنح لهذه الملاذات القوة التي منها تستمد فعاليتها. فالعلاقة بالغالية تنتهي بالفشل ولو أن السارد لم يبرز عبر الحكي مسار هذه العلاقة بل نقل لنا بعض الأحداث المتفرقة هنا وهنالك نستشف منها أنه تم الزواج بها وأثمرت العلاقة وليدا ميتا، نجهل لقاء الغالية بخيطانو وكيف تنكرت الغالية لناسها وارتبطت باللقيط ابن زازة بائعة الهوى حتى تحقق حلم الثروة والاغتناء السريع.فكأن عين السارد تشبه عين الذبابة التي ترى إلى الأشياء متشرذمة تفتقد إلى الوحدة . رؤية متشظاة تعكس نفسية السارد الغارق في أحاسيس الإحباط والعجز واللاجدوى .فالإحساس بالحزن والمرارة يكتسحان جل صفحات الرواية تكاد لا تخلو صفحة منها. وحداد السارد كبير لفقدان الحب، فقدان مضاعف حين تفوز قيم التشوه والقبح والانتهازية. إن إحساس الفجيعة يبلغ أوجه حين يعجز السارد على الوقوف في وجه قوى المسخ والاستغلال، حين يجد نفسه وحيدا إلا وبعض الرفقة المهمشين يمشي في مظاهرة يفترض أن يمشي الناس فيها ليعلنوا احتجاجهم وغضبهم اتجاه قوى الاستغلال. مظاهرة يمشي فيها بولعيون الذي انتهت به حسرته على ابنته الى الجنون، وصبي الليل المهمش والصحفية سلمى. حتى حبه للصحفية سلمى كبديل يعوض به فقدان الغالية لم ينجح وانتهت العلاقة بشد السارد حقائبه والعودة إلى منفاه يقول:" أصبحت أيامي في وجدة مائلة إلى الانتهاء. وفي اشتعال جمرة تهيؤ الرحيل، أحسست أن المدينة تزرع في وجهي صقيع العار لتلفني ببرودة الإحساس بالذنب أو الخطيئة. أي إحساس يتملكني الآن وأنا ألملم أشيائي المبعثرة لألقيها في جوف حقيبة ساخرة. ما سبق لي أن أحسست بكل هذه الغربة وهي تورق من حولي عنف التردد ، أو ما سبق لي أن أحسست بكل هذه الخيبات وهي تتقاذفني بين إحساسين إحساس بالبقاء المستحيل، وإحساس بالرحيل المقرون بالاضطرار. كل العلامات من حولي تقايض مهابة لغز الأحاسيس التي تسكنني بالانحباس في اللامعنى أو الهروب إلى الزمن المنحدر إلى دورة الإبهام..."

نعود إلى نقطة البدء وإلى الجملة التي استهل بها الكاتب روايته ، هل استطاع من خلال هذا العمل الروائي بناء العالم المحلوم به بمداد القلب. ما يمكن استخلاصه مما سبق أن السارد في رواية "رفيف الفصول" يواجه بالخيبة فهو عندما عاد نشدانا للراحة واسترجاع الحب القديم ولقاء ناسه ومدينته بعد تيه وغربة تكللت تلك الرغبات جميعها بالإحباط والتفجع. فمحاولة تحقيق الرجوع إلى الماضي عبر تحقيق اللقاء بالأصدقاء والعائلة يواجه هو أيضا بالصدمة نظرا للواقع المتردي الذي آلت إليه أحوالهم ثم اليقين بأن العودة إلى مسقط الرأس وموطن الذكريات خطوات مآلها الفشل ، فاسترجاع وامتلاك ما مضى أمر مستحيل ولا فائدة من الجري وراء سراب خادع. فأمام هذا الواقع المظلم الذي سعت الرواية إلى تعريته والكشف عن أسباب تشوهه هل كانت ممكنة عملية رسم عالم محلوم به وسط مد المرارة والظلمة التي تكسو الأحداث بل حتى العنوان يحيل على معناه في وجه ما إلى الهشاشة : " رفيف الفصول " خفقها تدحرجها وزوالها ومرورها الخفيف بما يحدث في الواقع .... وإثبات هشاشة هذا الواقع نفسه ، هشاشة قيمه، هشاشة الحب وعجزه عن مواجهة القبح والتشوه الذي يطال الزمن والناس والقيم، وهشاشة الأحلام...

لكن هل يمكن أن تستبطن الهشاشة في أعماقها مصادر قوة جمة ؟ هل يمكن للحزن أن يلد شياطينه المقاومة لمد البشاعة وللمرارة أن تشع بشموس تعمي؟؟ لم لا؟؟؟


محمد المسكيني، فلسفة النوابت ، بيروت ، دار الطليعة ن 1997، طبعة أولى ، ص 90.

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité