Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
محمد معتصم
Derniers commentaires
Newsletter
Catégories
محمد معتصم
  • تتضمن المدونة عددا من المقالات والدراسات، والأخبار الثقافية والآراء حول المقروء والمنشور والمتداول في الساحة الثقافية. مع بعض الصور
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
3 février 2010

ملامح – زينب حفني – شمعة تقتات على الظلام


 

   
 

  محمد الأصفر

 

السرد الذي تكتبه المرأة في السعودية عرفته من خلال  الروائية ” رجاء عالم ” عبر روايتها  سيدي وحدانة .. وخاتم .. وحَبَى .. حيث أشعرتني هذه الروائية بأنني أعيش في مكة وأشتم عطرها وبخورها وأشرب الشاي بالقرفة وأتمتع بمذاقات لذيذة للتمر والزنجبيل والزعفران وأرتوي من نور شمسها وماء زمزمها .. وكانت كتابة ” رجاء عالم ” عن مكة شبيهة جداً بكتابة الكاتبة المغربية ” فاطمة المرنيسي ” في كتابها التي تتحدث فيه عن طفولتها في ” فاس ” مدونة الحياة فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم وراصدة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها مدينة ” فاس ” في تلك الأيام .

وعلى الرغم من قيمة إبداعات ” رجاء عالم ” الفنية خاصة عندما تغوص في العالم الرمزي الصوفي بلغة متماسكة تليق بعالم الرمز والتصوف والأسطورة .. فقد نجحت في توثيق جزء من سيرة المجتمع المكي روائياً مبرزة ما يحتوي هذا المجتمع من سكينة وصفاء وروحانية .. ومن هذا المنطلق سنجد أن الكثير من المتحمسين لهذه الكاتبة من كتّاب المكان والعمارة والغائصين في عالم التصوف من شعراء وروائيين وعلى رأسهم مثلاً الروائي ” جمال الغيطاني ” .. ولقد انبهرت كثيراً بلغة تلك الروائية ” رجاء عالم ” مع اعترافي بعدم فهم وهضم وتمثل كثيراً جداً من سطورها بحكم جهلي شبه التام بعالم التصوف وندرة دراستي أو قراءتي له .. لأنه مثل الرياضيات والهندسة معقد جداً ويحتاج إلى ذهن قادر على حل ألاف الأحجيات في زمن قصير .. فلم يعجبني من عالم التصوف شيء سوى رقصات أتباع ” جلال الدين الرومي ” وبعض القصائد الصوفية سهلة الفهم لابن الفارض وابن عربي والحلاج وآخرين لا أذكرهم الآن وبعض المقاطع الحكمية البليغة مثل : ” إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة للنفري ”  .

عالم الهدوء والصمت والسكينة والتأمل والإبداع بطريقة الشطرنج لا أحبذه فدائماً أبحث عن الصخب والعنف والضجيج والحياة الواقعية التي تمس الإنسان مباشرة .. فتقلبه وتعريه وتخدشه وتدمغه ببصمتها الطازجة التي لا تمحى .. وهذه الأشياء حقيقة وجدتها عند هذه الكاتبة التي نستضيفها الآن  ” زينب حفني “  التي عرفتها من خلال شبكة الأنترنيت  .. فقرأت لها بعض القصص وبعض المقالات وأخيراً تحصلت على كتابين من كتبها في إحدى مكتبات ” بنغازي ” هما : نساء عند خط الإستواء ( قصص ) وملامح ( رواية ) .. وبعد قراءتي للكتابين وجدت نفسي أمام كاتبة تمارس التمرد على كل شيء بما فيه فعل الكتابة نفسه .. تمس بسن قلمها كل المحظورات في مجتمعها محللة وعارضة ومقترحة .. تعلم القراء الصدق أمام النفس والشجاعة والشفافية مستخدمة في ذلك لغة بسيطة مفهومة خالية من كلمات القواميس المعقدة والمتحفية  أو الاشتقاقات ذات الفذلكات اللغوية .. ماسة القراء من وترهم الحساس جداً وهو الجنس .. حيث تستخدمه الكاتبة  عقدة أساسية فاقعة أو مضمرة قليلاً  في معظم نصوصها خاصة في مجموعتها القصصية ( نساء عند خط الإستواء ) التي تطرح فيها عبر سردها القصير عدة قضايا تعيشها المجتمعات العربية وتخفيها بورقة توت هشة تفضح أكثر مما تستر .. فالكاتبة تتناول في قصصها كرامة المرأة التي تُفهم خطأ عندما يقدم لها الشريك الذي اختارته بمحض إرادتها في نهاية الليلة المال ثمناً لمتعته منها .. تتناول أيضا قضية السحاق والتي تستمر بؤرتها تتقدم لتغطي الكثير من صفحات روايتها ملامح .. تتناول الكتّاب المشهورين من خلال كتاباتهم القيمية وحياتهم في الواقع حيث تكتشف الكاتبة المبتدئة أن قدوتها في عالم الأدب كما كانت تقرؤه هو مجرد إنسان هش يسعى للإيقاع بها ومضاجعتها .. تتناول أيضا قضية الفقهاء والمشعوذين وما يتمتعون به من متع محرمة يتحصلون عليها بواسطة إرهابهم وبخورهم من المريضات .. الروائية ” زينب حفني ” لم تقدم لنا البيئة الحجازية والمكية كما قدمتها لنا ” رجاء عالم ” ملفوفة في أوراق السولفان ومرشوشة بماء الورد ومستورة بستان غامق لامع يؤذي بؤبؤ السبر المتشمم للحقائق .. لقد قدمت لنا زينب البيئة المتخيلة لديها كما هي بالضبط .. قدمت لنا العالم السري التي تعيشه المرأة في الجزيرة العربية .. أحرقت الأستار لنرى الحقيقة كما هي بالضبط .. ولنتعايش ونتعاطف مع حالات إنسانية ليست غريبة عنا .. فما يحدث في الجزيرة العربية من انتهاكات لحقوق المرأة يحدث في كل مكان في الوطن العربي ويتم ذلك بطريقة إرهابية تتخذ من الدين سنداً لها ومن العرف والعادات والتقاليد التي مازالت تؤثر مساند أخرى ولعلّ الشيخ المغربي الذي أفتى منذ شهور بجواز زواج البنت ذات التسع سنوات خير شاهد على ذلك .

نساء تحت خط الاستواء كتاب قصصي .. مواضيعه في الجزيرة العربية وبعض البلاد العربية القليلة  تُعتبَر من المسكوت عنه .. تميز الكتاب جاء في اختيار بؤر قابلة للتطور .. ولقد شهدنا ذلك في رواية ملامح  من خلال عدة شخصيات مثل هند وثريا .. لغة الكتاب جميلة .. غير ركيكة .. والقصص كلها قصص كتبت بطريقة كتابة القصة القصيرة المعروفة .. كتبت لتقرأ وتفهم ويمتص منها العبر أو الإضاءة التي تريدها الكاتبة في نهاية كل نص .

كتاب تحت خط الاستواء لم يشبع نهمي في التمتع بقراءة قصة قصيرة جيدة .. والطلب عليه من فئة معينة من القراء وفي أمكنة معينة من هذا الوطن نتيجة ما يناقشه من مواضيع جنسية .. وللأمانة لم تعرض هذه الكاتبة في كتابها أي موضوع جنسي بطريقة الدعارة .. إنما تتكلم عن الجنس كهم إنساني يعيشه كل إنسان من الجنسين .. لن نجد وصفاً لأوضاع جنسية مثلاً .. لكن سنجد مشكلة سببها الجنس أو جنساً سبب في مشكلة .

وبالطبع الرقابة في بلادها ستمنع مثل هذه الكتب المتحدثة عن مجتمعاتها بينما لو كان الكتاب نفسه لم تكتبه زينب وكتبته كاتبة لبنانية أو عراقية أو أجنبية فسوف يوزع ولن يمنع بشرط  ألا يكون المكان في الكتاب هو وطن الرقابة .. وهذا الأمر كما تصنف زينب حفني في روايتها ملامح .. العهر إلى : عهر سياسي .. عهر اجتماعي .. عهر اقتصادي .. عهر فني .. عهر ثقافي .. نحب أن نسمي منع الرقابة لكتاب يكون كاتبه من نفس وطن الرقابة ( عهر رقابي ) .. ولكي يتأكد القارئ بنفسه عليه أن يزور المكتبات في بلاده ليجد كل الكتب التي بها جنس فاضح وبها كل شيء لكتاب أجانب تزين الأرفف بينما يمنع أي كتاب به كلمة واحدة لكاتب أو كاتبة من نفس بلد الرقابة  .

تتميز زينب حفني بالشجاعة في الكتابة وما تزال حتى الآن تستفيد من فن القصة القصيرة أثناء تدوينها لكتابتها الروائية خاصة في إنهاء الفصول بإضاءات ذات صدمة وشرارة مبهرة .. في رواية ملامح حدث واحد يتم تداوله بين ثريا وحسين .. مع بعض الشخصيات المكملة .. زاهر ابنهما .. صديقات ثريا .. أسرة عم حسين ..  هذا الحدث هو الجنس .. وما يجعله يحدث من أفعال وأسباب وظروف محيطة .. تبدأ الرواية  بمشهد طلاق بين الزوجة ثريا وزوجها حسين .. لتبدأ ثريا في سرد حكايتها مع عالم الجنس منذ أن حضرت حفلة لإحدى صديقاتها الغنيات فتتخذ عشيقاً وتخرج معه وتكتشف جسدها وأسراره وتتجسس على ممارسات أمها وأبيها .. ليستمر هذا العالم حتى تختفي شخصية نور من حياتها بالزواج والسفر إلى أمريكا .. لتتزوج فيما بعد ثرياً من حسين الذي اهتدى إليها بواسطة الخاطبة وحيث إنها لديها تطلعات كبيرة في الغنى والعيش في عالم الأغنياء فإنها تقاسي في بداية زواجها من الفقر والتقتير حتى يقوم حسين بالخطوة الثانية والذي يحمل نفس أفكار ثريا في الصعود إلى أعلى بأية طريقة والطريقة التي أوجدتها لنا الروائية في طريقة الوصول إلى القمم المادية هي طريقة الجنس .. أيقونتها الدائمة في كل فكرة أو مشهد أو هم تريد تدوينه .. يقوم حسين بتسهيل اللقاءات بين زوجته ومن يجلبه معه من رجال أعمال .. وكل سهرة مع زوجته تدفع به إلى الأمام أكثر وعندما يصل يقوم بما يقوم به كل دنيء وقذر .. ينفصل عن زوجته التي أوصلته عبر جسدها إلى الغنى ويرسل ابنه الوحيد إلى مدرسة داخلية في الأردن .. ليعود ويجد أمه مطلقة .. يعود متديناً جداً ويلتحق بالمجاهدين في افغانستان .. ثم العراق .. ثم  يقضي نحبه جراء قصف أمريكي وتصاب أمه عند سماع الخبر بالشلل النصفي وتتعافى فيما بعد وتعيش وحيدة بقية أيامها حتى تموت بالسكتة القلبية ذات ليلة .

تناولت الروائية الأحداث من عدة وجوه .. شخصية ثريا تحكي الأحداث نفسها حسب وجهة نظرها .. شخصية حسين تحكي الأحداث نفسها حسب وجهة نظره مع إضافة كليهما إلى الأحداث  التفاصيل الخاصة به وهي حياته قبل التعارف بينهما وبعد الطلاق .. حيث يشق كلاهما طريقه .. حسين يصير رجل أعمال كبيراً في لندن وثريا تصير صاحبة محل ملابس كبير في جدة .. وقد كتبت هذه الرواية بتقنية قريبة من رواية الصخب والعنف لفوكنر ورواية البحث عن وليد مسعود لجبرا إبراهيم جبرا .

والملفت للنظر في هذه الرواية هو ممارسة الكاتبة لفعل قتل الشخصيات  بإفراط للتخلص من تفاصيل سردية كبيرة تستدعي تدوينها لو ظلت تلك الشخصيات في الحياة .. قتلت أب ثريا وأم ثريا وعم حسين وزوجة عم حسين وأخ حسين صالح بالرضاعة وزوجته التي تكبره سناً وشخصية الابن زاهر وشخصية البطلة ثريا نفسها لتبقي على الرجل فقط .. الرجل الذي دمرها .. وقوّد عليها .. وسلبها إنسانيتها .. تبقيه حياً .. بل تزوجه بإنجليزية شابة .. وتجعله ينجب ولداً جديداً في مناخ الشمال البارد وتسميه زاهراً .

هذا إن افترضنا أن السارد الأساسي في هذه الرواية هي ثريا أو الكاتبة .. أو جان جاك روسو عندما يحوله خيالنا إلى امرأة مقهورة تعيش في الجزيرة العربية .. تدفع بقهرها إلى الورق .. ليشتعل الورق فيضيء قلبها الذي فرض عليه الظلام على الرغم من دقاته الحية المتفجرة بالضوء .

رواية ملامح تقدم لنا الكثير من الرؤى في هذه الحياة .. تقدم لنا السعادة المزيفة التي ندفع ثمنها من جسدنا وروحنا .. تقدم لنا صورة واضحة للخطأ الأول الذي يرتكبه الإنسان مانحاً نفسه المبررات التي يصنعها بنفسه ليقنع بها نفسه .. ليتطور هذا الخطأ ويفرخ ثماره التي ستغرقه مستقبلا ًبسمها .. تقدم لنا تفاهة هذه الحياة ما لم نجد لها معنى في نفوسنا .. تقدم لنا المرأة كيف تفكر ؟ والرجل أيضا كيف يفكر ؟ كلاهما يفكر في الجنس .. كلاهما يريد أن يستغل الآخر .. الحب غير موجود .. علاقات مصالح بين جسدين ..  الهاجس الذي يشتعل فيهما منذ الصغر .. ليكبر وتكبر معه الهموم .. في الرواية كل شيء يدور حول نواة الجنس .. الخروج من أجل الجنس , جمع المال نتيجة الجنس وبيعه .. السفر من أجل الجنس .. الزواج من أجل الجنس .. الخمر من أجل الجنس .. الهرب من الفقر والتخلص منه بواسطة الجنس .. الأرملة الكبيرة التي تزوجت صالحاً وأنفقت عليه من أجل الجنس  على الرغم من حبه الصادق لها .. كل شيء في الرواية الجنس هو محركه فيما عدا شخصية الابن زاهر الذي يتطرف والذي كان من أسباب تطرفه طلاق والديه وعيشه في مدرسة داخلية والطلاق سببه الجنس الذي صعد عليه حسين ليصل والذي تمتعت به ثريا من رجال عدة لأن حسين لا تحبه خاصة بعد أن صار قواداً وحولها إلى عاهرة خمس نجوم .

لكن كما قلنا سابقاً هذا الجنس ليس جنس دعارة .. ليس كالجنس الموجود مثلاً في رواية شنغهاي بيبي  لوي هوي .. في مشهد مضاجعة بين بطلة الرواية ورجل أعمال ألماني شاب  تفوح منه رائحة عطر كلفن كلاين ، يجعل القارئ يثار جنسياً لا إرادياً .. لكنه جنس يولد هموم ويفحصها ويعريها وينظفها ويجعلها ترى وتحس وتقدم معرفة نبيلة للقارئ الذي يكمن في كل شخصية من شخصيات الرواية فيسأل نفسه لماذا فعلت ثريا ذلك ؟ لماذا فعل حسين ذلك ؟ .. لماذا مات زاهر ؟ .. لماذا حدثت كل هذه الأشياء ؟ .. ولماذا ولماذا ولماذا وفي الوقت نفسه يجد القارئ أمامه الكثير من لأن .. لأن .. لأن .. يجد السين كما يجد الجيم .. يجد هذا البعبع الرهيب الجنس في أعتى سطوته وتمرده وعنفوانه ويجده بعد حين ميتاً جافاً .. فالنهود تتحول إلى أوراق جافة والأسنان تذهب إلى الشمس والعجيزة تترهل وتتضخم .. والسوق تمتلئ بالدوالي والأنف يعوج ويرتخي والعيون تضيق وتذبل والشعر يبيض ويتساقط .. سنجد في الرواية الجنس يعيش كما الإنسان بالضبط .. يعيش مراهقته ونضجه وأفوله نحو المغيب .. يسبب المشكلات ويعالجها .. يجري في المضمار الذي لا نشعر به .. يجري في قاتل الجنس اللا مرئي وهو الزمن .. فالزمن كلما يمر إلى الأمام يكمش من حياتنا الجنسية حفنة لذة ويهرب .. سواء قد استهلكنا هذه اللذة أو أدخرناها لأجساد وأرواح تستحق .. في الرواية قتال شرس بين الزمن وبين الجنس .. لكن الروائية تختار لنهاية ملامحها رؤية إيجابية متسامحة تزوج المجرم والقواد من فاتنة إنجليزية وتجعله ينجب لتعوّض عن طريق رحم غير رحمها طفلها الذي وقع في شرك الموت وتجعله يعيش في بيئة هي من وجهة نظرها مثالية وصحية .. بها الجنس مشاع وليس وسيلة مضمونة للصعود كما في وطننا العربي للأسف الشديد .. الكاتبة لا تنشر الرذيلة أو تدعو إليها أو تروّج لها .. إنها تقوم بتفكيك هذه المنظومة السوداء المخجلة التي تجعل هزة من مؤخرة امرأة ترفعك وترقيك وتمنحك قرضاً وسيارة وعملاً  وشهادة جامعية ورصيداً مالياً ومنحة خارجية وكل شيء بغض النظر عن كونك مؤهلاً لذلك ولديك كفاءة أو ليس لديك .. بهذه الروايات وحفرها في هذا الواقع القذر ستجعل الجنس وسيلة متعة وتكاثراً وحباً وسلاماً وشفافية وصراحة وليس وسيلة وصولية وإفساد ذمم ونشر رذيلة وأمراض مستعصية وغيرها .

سيأتي الوقت الذي سننتهي من الحياة وسط هذه المشكلة التي تؤرق الكبير والصغير في مجتمعاتنا .. ولنكن صادقين  ثلاثة أرباع تفكيرنا تذهب في الجنس وما يجلبه من مشكلات .. أتحصل على المال من أجل أن أمارس الجنس .. أريد بيتاً وبه دار نوم من أجل الجنس .. أتزوج من أجل الجنس .. أعمل من أجل الجنس .. ألبس من أجل الجنس .. أذهب للمزين أو الحلاق من أجل الجنس .. أمارس الرياضة من أجل الجنس .. أقرأ وأكتب من أجل الجنس .. أطلق  من أجل الجنس .. النقود التي تصرف في الوطن العربي على الجنس والوقت المهدور في التفكير فيه والحصول عليه لو تم إنفاقهما في البحث العلمي لوصلنا إلى المريخ .

رواية ملامح ، أعجبني ما فيها من ضجيج وصخب وشخصيات كثيرة تنتهي معظمها إلى الموت وما تعرضه علينا من حياة متخيلة مليئة بالمفارقات وبعلم النفس الفرويدي  تعكس ما يعيشه المجتمع السّري في الجزيرة العربية الذي هو شبيه بدرجة كبيرة ببلدان الشرق الأوسط والمغرب العربي .. حيث نشترك مع هذا المجتمع في اللغة والدين والقومية والحرمان والفساد الضارب أطنابه في كثير من مؤسسات المجتمع الحيوية .

الجنس في الرواية جنس يحركه العقل .. ليس به صور تحمل دلالات كما يفعل ميلان كونديرا فيبني على كل وضع جنسي حدثاً إيدلوجياً معبراً عن شخصيتي الملتحمين وزمنهما ومكانهما .. الجنس في رواية ملامح تحركه الحرية .. إنسان سجين يريد أن يخرج إلى النور .. كبت يرغب في التنفيس  .. المرأة تبحث عن سعادتها في رجل تحبه ولا تجده إلا في خيالها والرجل كذلك .. التفاهم والتوافق يأتي عن طريق الصدفة .. كما حدث مع  والدي ثريا .. المرأة تبحث عن كرامتها وعندما تجدها يحاول الرجل أن يغتصبها منها .. ليبيعها .. فبيع الكرامة يجعله بطلاً .. يجعله تاجراً كبيراً غنياً .. والكرامة مطلوبة جدا في سوق القيم .. سلم واستلم السلّم وأصعد على مهل من دون خوف من السقوط .. فلا رياح ولا زلازل تقترب من سلالم الوصولية المصنوعة من الحديد والنار .

الرواية تبدأ بطلاق ، بالتخلص من قوة الرجل وسيطرته وتبعيته .. تستدعي في إحدى مراحلها حبها الأول فؤاد فيمنحها اللذة لكن لا يمنحها السعادة .. يفكر بعقله ولا يفكر بذكره .. تستمر العلاقة وترضى بأن تكون عشيقة حتى تفقد أنوثتها وتكبر في السن فيأتي ليخبرها بأنه سيتوقف عن اللقاء بها .. قال لها : ” لقد صرت جداً الآن ” .. تبكي ثم تنسى .

الرواية بشكل عام غير محكمة .. مملوءة بالثقوب .. وهذا الأمر جيد  وإيجابي لرواية ملامح التي تعرض لنا  نساء مثقوبات و رجالاً مثقوبين بالشقاء ..  تعرض لنا  ملامح مريضة من مجتمع نخره النفاق والكذب والزيف والإدعاء والحرمان والجبن .. ولقد نجحت الرواية في تصوير هذه الحياة المؤلمة التى عاشتها الشخصيات على الورق .. متتبعة بذرتها الأصل التي نبتت منها وعارضة الظروف المحيطة التي صاحبت حياوات الشخصيات ..  الكاتبة كتبت لنا واقعية قذرة يعيشها إنسان اليوم كما عاشها إنسان الأمس وبالطبع لن يعيشها إنسان الغد الذي في طريقه إلى حل مشكلة الجنس وكل مشكلة آخرى مسكوت عنها .. فثورة الاتصالات الحالية ستجعل التقارب بين الجنسين أكثر .. وكل تقارب سيؤدي إلى مزيد من الفهم والتفاهم والتعلم والثقافة والحياة المريحة المشبعة مادياً ومعنوياً .. وبالحوار الشفاف الصريح الشجاع سنهدم الكثير من الظلام وسنخلص لذتنا المقدسة من أمراضها ونفوسنا من وساوسها وأرواحنا من ضبابها الكثيف الذي نفخه عليها فوه الزمن وكما تقول زينب في صفحة 103 من روايتها ملامح : ” خذ من التل يختل ” وها هي قد أخذت من التل وقربنت نفسها على محراب الفن في سبيل أن تضيء شمعة .. شمعة كلما ذابت ارتفع نورها ليشمل مساحات أوسع وأبعد .. شمعة تقتات على الظلام وما أكثره حولنا .

****************************

 

Publicité
Commentaires
Publicité
محمد معتصم
Archives
Publicité